فصل: ( فَصْلٌ: فِيمَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَمَا يُسَنُّ لَهُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَبَيَانِ حُكْمِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ )

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


كِتَابُ الْكِتَابَةِ

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الْكِتَابَةِ وَهِيَ بِكَسْرِ الْكَافِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَقِيلَ بِفَتْحِهَا كَالْعَتَاقَةِ لُغَةً الضَّمُّ وَالْجَمْعُ؛ لِأَنَّ فِيهَا ضَمَّ نَجْمٍ إلَى نَجْمٍ، وَالنَّجْمُ يُطْلَقُ عَلَى الْوَقْتِ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ مَالُ الْكِتَابَةِ كَمَا سَيَأْتِي لِلْعُرْفِ الْجَارِي بِكِتَابَةِ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ يُوَافِقُهُ، وَشَرْعًا عَقْدُ عِتْقٍ بِلَفْظِهَا بِعِوَضٍ مُنَجَّمٍ بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَلَفْظُهَا إسْلَامِيٌّ لَا يُعْرَفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهِيَ مَعْدُولَةٌ عَنْ قَوَاعِدِ الْمُعَامَلَاتِ مِنْ وُجُوهٍ‏:‏ الْأَوَّلُ‏:‏ أَنَّ السَّيِّدَ بَاعَ مَالَهُ بِمَالِهِ؛ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ وَالْكَسْبَ لَهُ‏.‏ الثَّانِي‏:‏ يَثْبُتُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لِمَالِكِهِ مَالٌ ابْتِدَاءً‏.‏ الثَّالِثُ‏:‏ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ، فَإِنَّ هَذَا الْعَقْدَ يَقْتَضِي تَسْلِيطَهُ عَلَى الْمِلْكِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى الرِّقِّ، لَكِنْ جَوَّزَهَا الشَّارِعُ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ فَإِنَّ الْعِتْقَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، وَالسَّيِّدُ قَدْ لَا يَسْمَحُ بِهِ مَجَّانًا، وَالْعَبْدُ لَا مَالَ لَهُ يَفْدِي بِهِ نَفْسَهُ، فَإِذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِالْكِتَابَةِ اسْتَفْرَغَ الْوُسْعَ وَتَنَاهَى فِي تَحْصِيلِ الِاكْتِسَابِ لِإِزَالَةِ الرِّقِّ، فَاحْتَمَلَ الشَّرْعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَمِلُ فِي غَيْرِهَا كَمَا احْتَمَلَ الْجَهَالَةَ فِي رِبْحِ الْقِرَاضِ وَعَمَلِ الْجِعَالَةِ لِلْحَاجَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاَلَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا‏}‏ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ‏}‏ وَكَانَتْ الْكِتَابَةُ مِنْ أَعْظَمِ مَكَاسِبِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ، قِيلَ‏:‏ أَوَّلُ مَنْ كُوتِبَ عَبْدٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَيَّةَ‏.‏

المتن‏:‏

هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ إنْ طَلَبَهَا رَقِيقٌ أَمِينٌ قَوِيٌّ عَلَى كَسْبٍ، قِيلَ أَوْ غَيْرُ قَوِيٍّ، وَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ‏)‏ لَا وَاجِبَةٌ، وَإِنْ طَلَبَهَا الرَّقِيقُ قِيَاسًا عَلَى التَّدْبِيرِ وَشِرَاءِ الْقَرِيبِ، وَلِئَلَّا يَتَعَطَّلَ الْمِلْكُ وَتَتَحَكَّمَ الْمَمَالِيكُ عَلَى الْمَالِكِينَ، وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ ‏(‏إنْ طَلَبَهَا رَقِيقٌ‏)‏ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ كَمَا سَيَأْتِي ‏(‏أَمِينٌ قَوِيٌّ عَلَى كَسْبٍ‏)‏ وَبِهِمَا فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ الْخَيْرَ فِي الْآيَةِ، وَاعْتُبِرَتْ الْأَمَانَةُ لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَا يُحَصِّلُهُ فَلَا يُعْتَقُ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْكَسْبِ لِيُوثَقَ بِتَحْصِيلِ النُّجُومِ، وَيُفَارِقُ الْإِيتَاءَ حَيْثُ أُجْرِيَ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ مِنْ الْوُجُوبِ كَمَا سَيَأْتِي؛ لِأَنَّهُ مُوَاسَاةٌ وَأَحْوَالُ الشَّرْعِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَهَا كَالزَّكَاةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ عَلَى كَسْبٍ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهُ أَيَّ كَسْبٍ كَانَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى كَسْبٍ يُوفِي مَا الْتَزَمَهُ مِنْ النُّجُومِ ‏(‏قِيلَ أَوْ‏)‏ طَلَبَهَا ‏(‏غَيْرُ قَوِيٍّ‏)‏ إذَا كَانَ أَمِينًا؛ لِأَنَّهُ إذَا عُرِفَتْ أَمَانَتُهُ أُعِينَ بِالصَّدَقَاتِ لِيُعْتَقَ‏.‏ وَالْأَوَّلُ قَالَ‏:‏ لَا يُوثَقُ بِذَلِكَ ‏(‏وَلَا تُكْرَهُ‏)‏ الْكِتَابَةُ ‏(‏بِحَالٍ‏)‏ وَإِنْ انْتَفَى الْوَصْفَانِ، بَلْ هِيَ مُبَاحَةٌ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تُفْضِي إلَى الْعِتْقِ، وَيُسْتَثْنَى كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ مَا إذَا كَانَ الرَّقِيقُ فَاسِقًا بِسَرِقَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَعَلِمَ السَّيِّدُ أَنَّهُ لَوْ كَاتَبَهُ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ لَاكْتَسَبَ بِطَرِيقِ الْفِسْقِ فَإِنَّهَا تُكْرَهُ، بَلْ يَنْبَغِي تَحْرِيمُهَا لِتَضَمُّنِهَا التَّمْكِينَ مِنْ الْفَسَادِ، وَلَوْ امْتَنَعَ الرَّقِيقُ مِنْهَا وَقَدْ طَلَبَهَا سَيِّدُهُ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا كَعَكْسِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَصِيغَتُهَا كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا مُنَجَّمًا إذَا أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَيُبَيِّنُ عَدَدَ النُّجُومِ وَقِسْطَ كُلِّ نَجْمٍ، وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَ التَّعْلِيقِ وَنَوَاهُ جَازَ، وَلَا يَكْفِي لَفْظُ كِتَابَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ، وَلَا نِيَّةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ قَبِلْتُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَأَرْكَانُهَا أَرْبَعَةٌ‏:‏ صِيغَةٌ، وَرَقِيقٌ، وَسَيِّدٌ، وَعِوَضٌ، وَقَدْ شَرَعَ فِي الْأَوَّلِ مِنْهَا فَقَالَ ‏(‏وَصِيغَتُهَا‏)‏ أَيْ صِيغَةُ إيجَابِهَا الصَّرِيحِ مِنْ جَانِبِ السَّيِّدِ النَّاطِقِ قَوْلُهُ لِعَبْدِهِ ‏(‏كَاتَبْتُكَ‏)‏ أَوْ أَنْتَ مُكَاتَبٌ ‏(‏عَلَى كَذَا‏)‏ كَأَلْفٍ ‏(‏مُنَجَّمًا‏)‏ مَعَ قَوْلِهِ ‏(‏إذَا أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ‏)‏؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْكِتَابَةِ يَصْلُحُ لِهَذَا وَلِلْمُخَارَجَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزِهَا، فَإِذَا قَالَ‏:‏ فَإِذَا أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ تَعَيَّنَ لِلْكِتَابَةِ، أَمَّا الْأَخْرَسُ فَتَكْفِي إشَارَتُهُ الْمُفْهِمَةُ بِذَلِكَ ‏(‏وَيُبَيِّنُ‏)‏ وُجُوبًا قَدْرَ الْعِوَضِ وَصِفَتَهُ، وَ ‏(‏عَدَدَ النُّجُومِ‏)‏ وَقَدْرَهَا ‏(‏وَقِسْطَ كُلِّ نَجْمٍ‏)‏ وَالنَّقْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ نَقْدٌ غَالِبٌ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَاشْتُرِطَ فِيهِ مَعْرِفَةُ الْعِوَضِ كَالْبَيْعِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي النُّجُومِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ ابْتِدَاءِ النُّجُومِ بَلْ يَكْفِي الْإِطْلَاقُ وَيَكُونُ ابْتِدَاؤُهَا مِنْ الْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

النَّجْمُ الْوَقْتُ الْمَضْرُوبُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَيُطْلَقُ عَلَى، الْمَالِ الْمُؤَدَّى فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَكْفِي ذِكْرُ نَجْمَيْنِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي كِتَابَةِ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ التَّنْجِيمُ‏؟‏ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِاشْتِرَاطُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَمْلِكُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ مَا يُؤَدِّيهِ فَلِاتِّبَاعِ السَّلَفِ ‏(‏وَلَوْ تَرَكَ‏)‏ فِي الْكِتَابَةِ الصَّحِيحَةِ ‏(‏لَفْظَ التَّعْلِيقِ‏)‏ لِلْحُرِّيَّةِ عَلَى الْأَدَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ‏:‏ إذَا أَدَّيْتُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ ‏(‏وَنَوَاهُ‏)‏ بِقَوْلِهِ‏:‏ كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا إلَخْ ‏(‏جَازَ‏)‏ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْعِتْقُ وَهُوَ يَقَعُ بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ جَزْمًا لِاسْتِقْلَالِ الْمُخَاطَبِ بِهِ‏.‏ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِقَوْلِهِ‏:‏ فَإِذَا أَدَّيْتُهُ فَأَنْتَ حُرٌّ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ ‏(‏وَلَا يَكْفِي لَفْظُ كِتَابَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ وَلَا نِيَّةٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ الْمَنْصُوصِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ طَرِيقٍ ثَانٍ مُخَرَّجٍ يَكْفِي كَالتَّدْبِيرِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ التَّدْبِيرَ كَانَ مَعْلُومًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ، وَالْكِتَابَةُ تَقَعُ عَلَى هَذَا الْعَقْدِ وَعَلَى الْمُخَارَجَةِ كَمَا مَرَّ، فَلَا بُدَّ مِنْ تَمْيِيزٍ بِاللَّفْظِ أَوْ النِّيَّةِ، وَلَا يَتَقَيَّدُ بِمَا ذَكَرَ بَلْ مِثْلُهُ قَوْلُهُ‏:‏ فَإِذَا بَرِئَتْ مِنْهُ أَوْ فَرَغَتْ ذِمَّتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَلَا يَكْفِي عَلَى الصَّحِيحِ التَّمْيِيزُ بِغَيْرِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ لَفْظُ الْحُرِّيَّةِ كَقَوْلِهِ‏:‏ وَتُعَامِلُنِي أَوْ أَضْمَنُ لَك أَرْشَ الْجِنَايَةِ أَوْ تَسْتَحِقُّ مِنِّي الْإِيتَاءَ أَوْ مِنْ النَّاسِ سَهْمَ الرِّقَابِ، وَقَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ‏:‏ إنَّهَا تَنْعَقِدُ بِذَلِكَ إنْ نَوَاهَا بِهِ فَتَكُونُ كِنَايَةً فَهُوَ ظَاهِرٌ ‏(‏وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ‏)‏ فَوْرًا فِي صِيغَةِ الْقَبُولِ ‏(‏قَبِلْتُ‏)‏ وَبِهِ تَتِمُّ الصِّيغَةُ فَلَا تَصِحُّ بِدُونِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَلَا يُغْنِي عَنْ الْقَبُولِ التَّعْلِيقُ بِالْأَدَاءِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ قَوْلِهِ‏:‏ وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ‏:‏ قَبِلْت أَنَّهُ لَوْ قَبِلَ أَجْنَبِيٌّ الْكِتَابَةَ مِنْ السَّيِّدِ لِيُؤَدِّيَ عَنْ الْعَبْدِ النُّجُومَ، فَإِذَا أَدَّاهَا عَتَقَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِمُخَالَفَةِ مَوْضُوعِ الْبَابِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَدَّى عِتْقَ الْعَبْدِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَرَجَعَ السَّيِّدُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِالْقِيمَةِ وَرَدَّ لَهُ مَا أَخَذَ مِنْهُ وَتَنْعَقِدُ الْكِتَابَةُ بِالِاسْتِيجَابِ وَالْإِيجَابِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ عَتَقَ فِي الْحَالِ وَلَزِمَ الْأَلْفُ ذِمَّتَهُ، وَقَوْلُ الْمُحَرَّرِ‏:‏ وَيَقُولُ الْعَبْدُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَيَقُولُ الْمُكَاتَبُ‏:‏ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُكَاتَبًا بَعْدَ الْقَبُولِ‏.‏

المتن‏:‏

وَشَرْطُهُمَا تَكْلِيفٌ وَإِطْلَاقٌ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَهُمَا الرَّقِيقُ وَالسَّيِّدُ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَشَرْطُهُمَا تَكْلِيفٌ‏)‏ فِيهِمَا بِكَوْنِهِمَا بَالِغَيْنِ عَاقِلَيْنِ، فَلَا يَصِحُّ تَكَاتُبُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُمَا مَسْلُوبَا الْعِبَارَةِ، وَلَا يُكَاتِبَانِ أَيْضًا، وَلَا أَثَرَ لِإِذْنِ الْوَلِيِّ لِلصَّبِيِّ أَوْ الْمَجْنُونِ فِي ذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ اشْتِرَاطِ التَّكْلِيفِ فِي الْعَبْدِ إنْ صَدَرَتْ الْكِتَابَةُ مَعَهُ، فَإِنْ صَدَرَتْ عَلَيْهِ تَبَعًا فَلَا، لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ مُكَاتَبٌ، وَقَدْ يُفْهِمُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السَّكْرَانَ الْعَاصِيَ بِسُكْرِهِ لَا تَصِحُّ كِتَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَرَى عَدَمَ تَكْلِيفِهِ، وَقَدْ مَرَّ الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ ‏(‏وَإِطْلَاقٌ‏)‏ فِي التَّصَرُّفِ فَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ فَلَسٍ، وَلَا مِنْ مُكَاتَبٍ عَبْدٍ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، وَلَا مِنْ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ عَنْهُ أَبًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اشْتِرَاطُ الْإِطْلَاقِ فِي الْعَبْدِ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ، وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ اعْتِبَارُ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ لَا غَيْرُ، فَلَا يَضُرُّ سَفَهُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْحَصِرْ الْأَدَاءُ مِنْ كَسْبِهِ، فَقَدْ يُؤَدَّى مِنْ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَا لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ التَّكْلِيفُ فَإِنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِإِطْلَاقِ التَّصَرُّفِ كَمَا مَرَّ فِي الْعِتْقِ وَتَرَكَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، فَإِنْ أُكْرِهَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَالْكِتَابَةُ بَاطِلَةٌ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ السَّيِّدِ أَعْمَى كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ تَغْلِيبًا لِلْعِتْقِ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْإِبَانَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ الْبَصَرِ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ السَّيِّدِ حُرَّ الْكُلِّ، فَلَا يَصِحُّ مِنْ مُبَعَّضٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ‏.‏

المتن‏:‏

وَكِتَابَةُ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلَاهُ صَحَّتْ كِتَابَةُ كُلِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ وَأَدَّى فِي حَيَاتِهِ مِائَتَيْنِ، وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ عَتَقَ، وَإِنْ أَدَّى مِائَةً عَتَقَ ثُلُثَاهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَكِتَابَةُ الْمَرِيضِ‏)‏ مَرَضَ الْمَوْتِ تُحْسَبُ ‏(‏مِنْ الثُّلُثِ‏)‏ وَإِنْ كَاتَبَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُ لَهُ ‏(‏فَإِنْ كَانَ لَهُ‏)‏ عِنْدَ الْمَوْتِ ‏(‏مِثْلَاهُ‏)‏ أَيْ الْعَبْدِ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ثُلُثَ تَرِكَتِهِ ‏(‏صَحَّتْ كِتَابَةُ كُلِّهِ‏)‏ لِخُرُوجِهِ مِنْ الثُّلُثِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا خَلَفَهُ مِمَّا أَدَّاهُ الْعَبْدُ أَمْ لَا، وَيَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ‏)‏ ذَلِكَ الْمَرِيضُ شَيْئًا ‏(‏غَيْرَهُ وَأَدَّى‏)‏ الْمُكَاتَبُ ‏(‏فِي حَيَاتِهِ‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ ‏(‏مِائَتَيْنِ‏)‏ وَكَانَ كَاتَبَهُ عَلَيْهِمَا ‏(‏وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ عَتَقَ‏)‏ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ وَهُمَا الْمِائَتَانِ ‏(‏وَإِنْ أَدَّى مِائَةً‏)‏ وَكَانَ كَاتَبَهُ عَلَيْهَا ‏(‏عَتَقَ ثُلُثَاهُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِائَةً وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، فَالْجُمْلَةُ مِائَتَانِ فَيَنْفُذُ التَّبَرُّعُ فِي ثُلُثِ الْمِائَتَيْنِ وَهُوَ ثُلُثَا الْمِائَةِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ وَأَدَّى فِي حَيَاتِهِ عَمَّا لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ فَثُلُثُهُ مُكَاتَبٌ، فَإِنَّهُ أَدَّى حِصَّتَهُ مِنْ النُّجُومِ عَتَقَ، وَلَا يَزِيدُ الْعِتْقُ بِالْأَدَاءِ لِبُطْلَانِهَا فِي الثُّلُثَيْنِ فَلَا تَعُودُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ الْكِتَابَةَ فِي جَمِيعِهِ، فَإِنْ أَجَازَ فِي جَمِيعِهَا عَتَقَ كُلُّهُ أَوْ فِي بَعْضِهَا عَتَقَ مَا أَجَازَ وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَلَوْ لَمْ يَمْلِكْ إلَّا عَبْدَيْنِ قِيمَتُهُمَا سَوَاءٌ، فَكَاتَبَ فِي الْمَرَضِ أَحَدَهُمَا وَبَاعَ الْآخَرَ نَسِيئَةً وَمَاتَ وَلَمْ يَحْصُلْ بِيَدِهِ ثَمَنٌ وَلَا نُجُومٌ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ فِي ثُلُثِ هَذَا، وَالْبَيْعُ فِي ثُلُثِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يُجِزْ الْوَارِثُ، وَلَا يُزَادُ فِي الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ بِأَدَاءِ الثَّمَنِ وَالنُّجُومِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ كَاتَبَ مُرْتَدٌّ بُنِيَ عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ، فَإِنْ وَقَفْنَاهُ بَطَلَتْ عَلَى الْجَدِيدِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏كَاتَبَ‏)‏ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ رَقِيقَهُ صَحَّ، وَإِنْ كَاتَبَ ‏(‏مُرْتَدٌّ‏)‏ رَقِيقَهُ ‏(‏بُنِيَ عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ فَإِنْ وَقَفْنَاهُ‏)‏ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ‏(‏بَطَلَتْ عَلَى الْجَدِيدِ‏)‏ الْقَائِلِ بِإِبْطَالِ وَقْفِ الْعُقُودِ فَلَا يَعْتِقُ بِأَدَاءِ النُّجُومِ، وَعَلَى الْقَدِيمِ لَا تَبْطُلُ بَلْ تُوقَفُ إنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَّا صِحَّتَهَا وَإِلَّا بُطْلَانَهَا، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مُكَرَّرَةٌ، فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا فِي آخِرِ الرِّدَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يُبْطِلُ طُرُوءُ رِدَّةِ الْمُكَاتَبِ، وَلَا طُرُوءُ رِدَّةِ السَّيِّدِ بَعْدَهَا، وَإِنْ أَسْلَمَ السَّيِّدُ اعْتَدَّ بِمَا أَخَذَهُ حَالَ رِدَّتِهِ وَتَصِحُّ كِتَابَةُ عَبْدٍ مُرْتَدٍّ وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَلَوْ فِي زَمَنِ رِدَّتِهِ، وَإِنْ قُتِلَ قَبْلَ الْأَدَاءِ فَمَا فِي يَدِهِ لِلسَّيِّدِ، وَلَوْ الْتَحَقَ سَيِّدُ الْمُكَاتَبِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَوَقَفَ مَالَهُ تَأَدَّى الْحَاكِمُ نُجُومَ مُكَاتَبِهِ وَعَتَقَ، وَإِنْ عَجَزَ أَوْ عَجَّزَهُ الْحَاكِمُ رَقَّ، فَإِنْ جَاءَ السَّيِّدُ بَعْدَ ذَلِكَ بَقِيَ التَّعْجِيزُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ مَرْهُونٍ، وَمُكْرًى‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا تَصِحُّ‏)‏ ‏(‏كِتَابَة مَرْهُونٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلْبَيْعِ، وَالْكِتَابَةُ تَمْنَعُ مِنْهُ فَتَنَافَيَا ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏مُكْرًى‏)‏؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمُسْتَأْجِرِ فَلَا يَتَفَرَّغُ لِلِاكْتِسَابِ لِنَفْسِهِ وَلَا الْمُوصَى بِمَنْفَعَتِهِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَلَا كِتَابَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ وَإِطْلَاقُ الْعُمْرَانِيِّ الْمَنْعَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا‏.‏

المتن‏:‏

وَشَرْطُ الْعِوَضِ كَوْنُهُ دَيْنًا مُؤَجَّلًا، وَلَوْ مَنْفَعَةً، وَمُنَجَّمًا بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَقِيلَ‏:‏ إنْ مَلَكَ بَعْضَهُ وَبَاقِيهِ حُرٌّ لَمْ يُشْتَرَطْ أَجَلٌ وَتَنْجِيمٌ، وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى خِدْمَة شَهْرٍ وَدِينَارٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ صَحَّتْ أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ كَذَا فَسَدَتْ، وَلَوْ قَالَ كَاتَبْتُكَ وَبِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِأَلْفٍ وَنَجَّمَ الْأَلْفَ وَعَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بِأَدَائِهِ فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْكِتَابَةِ دُونَ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَاتَبَ عَبِيدًا عَلَى عِوَضٍ مُنَجَّمٍ وَعَلَّقَ عِتْقَهُمْ بِأَدَائِهِ فَالنَّصُّ صِحَّتُهَا، وَيُوَزِّعُ عَلَى قِيمَتِهِمْ يَوْمَ الْكِتَابَةِ فَمَنْ أَدَّى حِصَّتَهُ عَتَقَ، وَمَنْ عَجَزَ رَقَّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الرُّكْنِ الرَّابِعِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَشَرْطُ الْعِوَضِ‏)‏ فِي الْكِتَابَةِ ‏(‏كَوْنُهُ دَيْنًا‏)‏ نَقْدًا كَانَ أَوْ عِوَضًا مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا يَمْلِكُهَا حَتَّى يُورَدَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا ‏(‏مُؤَجَّلًا‏)‏ لِيُحَصِّلَهُ وَيُؤَدِّيَهُ فَلَا تَصِحُّ بِالْحَالِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَقْدٌ خَالَفَ الْقِيَاسَ فِي وَصْفِهِ وَاتُّبِعَ فِيهِ سُنَنُ السَّلَفِ، وَالْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَوْلًا وَفِعْلًا إنَّمَا هُوَ التَّأْجِيلُ وَلَمْ يَعْقِدْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ حَالَةً، وَلَوْ جَازَ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى تَرْكِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَغْرَاضِ خُصُوصًا وَفِيهِ تَعْجِيلُ عِتْقِهِ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالرُّويَانِيُّ فِي حِلْيَتِهِ جَوَازَ الْحُلُولِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامَيْنِ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ لَوْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْأَجَلِ لَأَغْنَى عَنْ الدَّيْنِيَّةِ فَإِنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ، وَقَدْ اعْتَرَضَ الرَّافِعِيُّ بِهَذَا عَلَى الْوَجِيزِ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ فِي الْمُحَرَّرِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ دَلَالَةَ الِالْتِزَامِ لَا يُكْتَفَى بِهَا فِي الْمُخَاطَبَاتِ، وَهَذَانِ وَصْفَانِ مَقْصُودَانِ، لَكِنْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مَوْصُوفًا بِصِفَاتِ السَّلَمِ إنْ كَانَ عَرْضًا كَمَا قَدَّرْتُهُ فِي كَلَامِهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ كَانَ الْعِوَضُ ‏(‏مَنْفَعَةً‏)‏ كَبِنَاءِ دَارَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَقْتًا مَعْلُومًا كَمَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ الْمَنَافِعُ ثَمَنًا وَاحِدًا، وَالْمُرَادُ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ أَمَّا لَوْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ تَأْجِيلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ الِاكْتِفَاءُ بِالْمَنْفَعَةِ وَحْدَهَا، وَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ حَالَّةً نَحْوَ كَاتَبْتُكَ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي شَهْرًا أَوْ تَخِيطَ لِي ثَوْبًا بِنَفْسِكَ فَلَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ ضَمِيمَةِ مَالٍ كَقَوْلِهِ‏:‏ وَتُعْطِيَنِي دِينَارًا بَعْدَ انْقِضَائِهِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيمَةَ شَرْطٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَنْفَعَةَ عَيْنٍ فَقَطْ، فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرَيْنِ، وَصَرَّحَ بِأَنَّ كُلَّ شَهْرٍ نَجْمٌ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُمَا نَجْمٌ وَاحِدٌ وَلَا ضَمِيمَةَ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ فَأَوْلَى بِالْفَسَادِ، إذْ يُشْتَرَطُ فِي الْخِدْمَةِ وَالْمَنَافِعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَعْيَانِ أَنْ تَتَّصِلَ بِالْعَقْدِ ‏(‏وَمُنَجَّمًا بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَوْ جَازَتْ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَجْمَيْنِ لَفَعَلُوهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُبَادِرُونَ إلَى الْقُرُبَاتِ وَالطَّاعَاتِ مَا أَمْكَنَ، وَلِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ ضَمَّ النُّجُومَ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ، وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّمُّ نَجْمَانِ، وَقِيلَ يَكْفِي نَجْمٌ وَاحِدٌ، وَقَالَ فِي شَرْحِ‏:‏ مُسْلِمٍ إنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ ا هـ‏.‏

وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَمَالَ إلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِ أَنَّهَا تَصِحُّ بِنَجْمَيْنِ قَصِيرَيْنِ وَلَوْ فِي مَالٍ كَثِيرٍ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِإِمْكَانِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ كَالسَّلَمِ إلَى مُعْسِرٍ فِي مَالٍ كَثِيرٍ إلَى أَجَلٍ قَصِيرٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ إلَى الْمُكَاتَبِ عَقِبَ عَقْدِ الْكِتَابَةِ صَحَّ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ وَجَّهَهُ الرَّافِعِيُّ بِقُدْرَتِهِ بِرَأْسِ الْمَالِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَمَحِلُّ الْخِلَافِ فِي السَّلَمِ الْحَالِّ‏.‏ أَمَّا الْمُؤَجَّلُ فَيَصِحُّ فِيهِ جَزْمًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ إنْ‏)‏ ‏(‏مَلَكَ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏بَعْضَهُ وَبَاقِيهِ حُرٌّ‏)‏ ‏(‏لَمْ يُشْتَرَطْ أَجَلٌ وَتَنْجِيمٌ‏)‏ فِي كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَمْلِكُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ مَا يُؤَدِّيهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ فِي الْحَالِّ فَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَالْأَصَحُّ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاءِ؛ لِأَنَّهُ تَعَبَّدَ وَلَوْ جَعَلَا مَالَ الْكِتَابَةِ عَيْنًا مِنْ الْأَعْيَانِ الَّتِي مَلَكَهَا بِبَعْضِهِ الْحُرِّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ فَيُشْبِهُ الْقَطْعَ بِالصِّحَّةِ وَلَمْ يَذْكُرُوهُ ا هـ‏.‏

وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ الصِّحَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِ الْعِوَضِ وَصِفَتِهِ وَأَقْدَارِ الْآجَالِ وَمَا يُؤَدِّي عِنْدَ حُلُولِ كُلِّ نَجْمٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى نَقْدٍ كَفَى الْإِطْلَاقُ إنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدٌ مُفْرَدٌ أَوْ غَالِبٌ وَإِلَّا اُشْتُرِطَ التَّبْيِينُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَرْضٍ وَصَفَهُ بِالصِّفَاتِ الْمَشْرُوطَةِ فِي السَّلَمِ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَلَوْ كَاتَبَ عَلَى‏)‏ مَنْفَعَةِ عَيْنٍ مَعَ غَيْرِهَا مُؤَجَّلًا نَحْوَ ‏(‏خِدْمَة شَهْرٍ‏)‏ مِنْ الْآنَ ‏(‏وَدِينَارٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ‏)‏ أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ مَوْصُوفٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ ‏(‏صَحَّتْ‏)‏ أَيْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُسْتَحَقَّةٌ فِي الْحَالِّ وَالْمُدَّةِ لِتَقْرِيرِهَا وَالتَّوْفِيَةِ فِيهَا وَالدِّينَارُ وَالْخِيَاطَةُ إنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ بِهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا لِاسْتِحْقَاقِهِ، وَإِذَا اخْتَلَفَ الِاسْتِحْقَاقُ حَصَلَ تَعَدُّدُ النُّجُومِ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ حَالَّةً؛ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ يُشْتَرَطُ لِحُصُولِ الْقُدْرَةِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالْخِدْمَةِ فِي الْحَالِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَاتَبَ عَلَى دِينَارَيْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مُؤَجَّلٌ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْأَجَلَ وَإِنْ أَطْلَقُوا اشْتِرَاطَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ فِي الْمَنْفَعَةِ الَّتِي يَقْدِرُ عَلَى الشُّرُوعِ فِيهَا فِي الْحَالِّ، وَيُشْتَرَطُ لِلصِّحَّةِ أَنْ تَتَّصِلَ الْخِدْمَةُ وَالْمَنَافِعُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْأَعْيَانِ بِالْعَقْدِ، فَلَا تَصِحُّ الْكِتَابَةُ عَلَى مَالٍ يُؤَدِّيهِ آخِرَ الشَّهْرِ، وَخِدْمَةِ الشَّهْرِ الَّذِي بَعْدَهُ لِعَدَمِ اتِّصَالِ الْخِدْمَةِ بِالْعَقْدِ كَمَا أَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَقْبَلُ التَّأْجِيلَ بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ الْمُلْتَزَمَةِ فِي الذِّمَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ عِنْدَ انْقِضَائِهِ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ مَثَلًا أَنَّهُ صَحَّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ، وَفِيمَا تَقَدَّمَ وَجْهٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ فِي أَثْنَائِهِ كَقَوْلِهِ‏:‏ وَدِينَارٍ بَعْدَ الْعَقْدِ بِيَوْمٍ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْخِدْمَةِ بَلْ يَتْبَعُ فِيهَا الْعُرْفَ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ، وَلَا يَكْفِي إطْلَاقُ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ يَقُولَ‏:‏ كَاتَبْتُكَ عَلَى مَنْفَعَةِ شَهْرٍ مَثَلًا لِاخْتِلَافِ الْمَنَافِعِ، وَلَوْ كَاتَبَهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ مَثَلًا فَمَرِضَ فِي الشَّهْرِ وَفَاتَتْ الْخِدْمَةُ انْفَسَخَتْ الْكِتَابَةُ فِي قَدْرِ الْخِدْمَةِ وَفُسِخَتْ فِي الْبَاقِي، وَهَلْ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَوْضِعِ التَّسْلِيمِ‏؟‏ فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي السَّلَمِ، فَلَوْ خَرِبَ الْمَكَانُ الْمُعَيَّنُ أَدَّى فِي أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ إلَيْهِ عَلَى قِيَاسِ مَا فِي السَّلَمِ ‏(‏أَوْ‏)‏ كَاتَبَهُ ‏(‏عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ كَذَا‏)‏ أَوْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ كَذَا كَثَوْبٍ بِأَلْفٍ ‏(‏فَسَدَتْ‏)‏ أَيْ الْكِتَابَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ابْتِيَاعِ كَذَا لَشَمِلَ صُورَةَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ كَاتَبْتُكَ وَبِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ‏)‏ مَثَلًا ‏(‏بِأَلْفٍ وَنَجَّمَ الْأَلْفَ‏)‏ بِنَجْمَيْنِ مَثَلًا كَأَنْ قَالَ لَهُ‏:‏ يُؤَدِّي مِنْهَا خَمْسَمِائَةٍ عِنْدَ انْقِضَاءِ النَّجْمِ الْأَوَّلِ وَالْبَاقِي عِنْدَ انْقِضَاءِ الثَّانِي ‏(‏وَعَلَّقَ الْحُرِّيَّةَ بِأَدَائِهِ‏)‏ وَقَبِلَ الْعَبْدُ الْعَقْدَيْنِ إمَّا مَعًا كَقَبِلْتهُمَا أَوْ مُرَتَّبًا كَقَبِلْتُ الْكِتَابَةَ وَالْبَيْعَ أَوْ الْبَيْعَ وَالْكِتَابَةَ كَذَا قَالَا، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَاهُ فِي الرَّهْنِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ تَقَدَّمَ خِطَابَ الْبَيْعِ عَلَى خِلَافِ الرَّهْنِ ‏(‏فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْكِتَابَةِ دُونَ الْبَيْعِ‏)‏ فَيَبْطُلُ لِتَقَدُّمِ أَحَدِ شِقَّيْهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لِمُتَابَعَةِ سَيِّدِهِ، وَفِي قَوْلٍ تَبْطُلُ الْكِتَابَةُ أَيْضًا وَمَالَ إلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَهُمَا قَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ‏.‏ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ الرَّاجِحَةُ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهَا قَوْلٌ، وَقَوْلٌ بِالْبُطْلَانِ، وَهُمَا قَوْلَا الْجَمْعِ بَيْنَ عَقْدَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْحُكْمِ، وَعَلَى صِحَّةِ الْكِتَابَةِ فَقَدْ تَوَزَّعَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتَيْ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، فَمَا خَصَّ الْعَبْدَ يُؤَدِّيه فِي النَّجْمَيْنِ مَثَلًا، فَإِذَا أَدَّاهُ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ كَاتَبْتُكَ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ مَثَلًا، وَبِعْتُكَ الثَّوْبَ بِأَلْفٍ صَحَّتْ الْكِتَابَةُ قَطْعًا، لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ بِتَفْصِيلِ الثَّمَنِ، وَأَمَّا الْبَيْعُ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ إنْ قَدَّمَهُ فِي الْعَقْدِ عَلَى لَفْظِ الْكِتَابَةِ بَطَلَ، وَإِنْ أَخَّرَهُ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ بَدَأَ بِطَلَبِ الْكِتَابَةِ قَبْلَ إجَابَةِ السَّيِّدِ صَحَّ الْبَيْعُ، وَإِلَّا فَلَا ا هـ‏.‏

وَهَذَا مَمْنُوعٌ، لِتَقَدُّمِ أَحَدِ شِقَّيْ الْبَيْعِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لِمُبَايَعَةِ سَيِّدِهِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ مَا إذَا كَانَ الْمُكَاتَبُ مُبَعَّضًا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي نَوْبَةِ الْحُرِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ أَيْضًا لِفَقْدِ الْمُقْتَضِي لِلْإِبْطَالِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَحَدُ شِقَّيْهِ عَلَى أَهْلِيَّةِ الْعَبْدِ لِمُعَامَلَةِ السَّيِّدِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيَجُوزُ مُعَامَلَةُ الْمُبَعَّضِ مَعَ السَّيِّدِ فِي الْأَعْيَانِ مُطْلَقًا، وَفِي الذِّمَّةِ إذَا كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ وَهُوَ دَقِيقُ الْفِقْهِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏كَاتَبَ عَبِيدًا‏)‏ كَثَلَاثَةٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً ‏(‏عَلَى عِوَضٍ‏)‏ وَاحِدٍ كَأَلْفٍ ‏(‏مُنَجَّمٍ‏)‏ بِنَجْمَيْنِ مَثَلًا ‏(‏وَعَلَّقَ عِتْقَهُمْ بِأَدَائِهِ‏)‏ كَمَا إذَا قَالَ‏:‏ كَاتَبْتُكُمْ عَلَى أَلْفٍ إلَى وَقْتِ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا أَدَّيْتُمْ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ ‏(‏فَالنَّصُّ صِحَّتُهَا‏)‏؛ لِأَنَّ مَالِكَ الْعِوَضَيْنِ وَاحِدٌ وَالصَّادِرُ مِنْهُ لَفْظٌ وَاحِدٌ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَ عَبْدَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ ‏(‏وَيُوَزِّعُ‏)‏ الْمُسَمَّى ‏(‏عَلَى قِيمَتِهِمْ يَوْمَ الْكِتَابَةِ‏)‏ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةً وَالْآخَرِ مِائَتَيْنِ وَالْآخَرِ ثَلَاثَمِائَةٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ سُدْسُ الْمُسَمَّى، وَعَلَى الثَّانِي ثُلُثُهُ، وَعَلَى الثَّالِثِ نِصْفُهُ ‏(‏فَمَنْ أَدَّى حِصَّتَهُ عَتَقَ‏)‏ لِوُجُودِ الْأَدَاءِ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَدَاءِ الْبَاقِي ‏(‏وَمَنْ عَجَزَ‏)‏ أَوْ مَاتَ ‏(‏رَقَّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْأَدَاءُ مِنْهُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا وَقْتُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ السَّيِّدِ وَبَيْنَهُمْ، وَمُقَابِلُ النَّصِّ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ بِبُطْلَانِ كِتَابَتِهِمْ‏.‏

المتن‏:‏

وَتَصِحُّ كِتَابَةُ بَعْضِ مَنْ بَاقِيهِ حُرٌّ فَلَوْ كَاتَبَ كُلَّهُ صَحَّ فِي الرِّقِّ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ كَاتَبَ بَعْضَ رَقِيقٍ فَسَدَتْ إنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ، وَكَذَا إنْ أَذِنَ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ ‏(‏كِتَابَةُ بَعْضِ مَنْ بَاقِيهِ حُرٌّ‏)‏؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ الْمَقْصُودَ بِالْعَقْدِ ‏(‏فَلَوْ كَاتَبَ كُلَّهُ‏)‏ أَيْ جَمِيعَ الْعَبْدِ الَّذِي بَعْضُهُ حُرٌّ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا بِحُرِّيَّةِ بَعْضِهِ أَمْ مُعْتَقِدًا رَقَّ كُلُّهُ فَبَانَ حُرَّ الْبَعْضِ ‏(‏صَحَّ فِي الرِّقِّ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ مِنْ قَوْلَيْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَبَطَلَ فِي الْآخَرِ مِنْهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَعْتِقُ إذَا أَدَّى قِسْطَ الرَّقِيقِ مِنْ الْمُسَمَّى‏.‏ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ شَرْطِ الْكِتَابَةِ لِمَنْ كُلُّهُ رَقِيقٌ اسْتِيعَابُ الْكِتَابَةِ لَهُ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏لَوْ كَاتَبَ بَعْضَ رَقِيقٍ فَسَدَتْ‏)‏ هَذِهِ الْكِتَابَةُ ‏(‏إنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ‏)‏ فِي كِتَابَتِهِ لِعَدَمِ الِاسْتِقْلَالِ، وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ تَنْقُصُ بِذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ الشَّرِيكُ ‏(‏وَكَذَا إنْ أَذِنَ‏)‏ الْغَيْرُ لَهُ فِيهَا ‏(‏أَوْ كَانَ‏)‏ ذَلِكَ الْبَعْضُ ‏(‏لَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَحْتَاجُ إلَى التَّرَدُّدِ حَضَرًا وَسَفَرًا لِاكْتِسَابِ النُّجُومِ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِذَلِكَ إذَا كَانَ بَعْضُهُ رَقِيقًا فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْكِتَابَةِ، وَأَيْضًا لَا يُعْطَى مِنْ سَهْمِ الْمُكَاتَبِينَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَعْضُهُ مِلْكًا لِمَالِكِ الْبَاقِي فَإِنَّهُ مِنْ أَكْسَابِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بَاقِيهِ حُرًّا، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الثَّانِيَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اُسْتُثْنِيَ مِنْ الْفَسَادِ فِي كِتَابَةِ الْبَعْضِ صُوَرٌ‏:‏ مِنْهَا مَا لَوْ كَاتَبَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بَعْضَ عَبْدِهِ، وَذَلِكَ الْبَعْضُ ثُلُثُ مَالِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ قَطْعًا‏.‏ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ بَعْضُ الْعَبْدِ مَوْقُوفًا عَلَى خِدْمَةِ مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ مِنْ الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ وَبَاقِيهِ رَقِيقٌ فَكَاتَبَهُ مَالِكُ بَعْضِهِ قَالَ‏.‏ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ فَيُشْبِهُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِنَا فِي الْوَقْفِ إنَّهُ يَنْتَقِلُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ مِلْكٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُقِفَ بَعْضُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ ا هـ‏.‏

وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا خِلَافُهُ لِمُنَافَاتِهِ التَّعْلِيلَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَلَوْ سُلِّمَ فَالْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ لَا يَخْتَصُّ بِالْوَقْفِ عَلَى الْجِهَاتِ الْعَامَّةِ‏.‏ وَمِنْهَا مَا إذَا أَوْصَى بِكِتَابَةِ عَبْدِهِ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ إلَّا بَعْضُهُ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكَاتِبُ ذَلِكَ الْبَعْضَ‏.‏ وَمِنْهَا مَا لَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ وَخَلَّفَ عَبْدًا فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَبَاهُ كَاتَبَهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ كَانَ نَصِيبُهُ مُكَاتَبًا قَالَهُ فِي الْخِصَالِ، وَفِي اسْتِثْنَاءِ هَذِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ نَظَرٌ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ ادَّعَى الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ أَنَّهُمَا كَاتَبَاهُ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ كَاتَبَاهُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا صَحَّ إنْ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ وَجُعِلَ الْمَالُ عَلَى نِسْبَةِ مِلْكَيْهِمَا، فَلَوْ عَجَزَ فَعَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ الْآخَرُ إبْقَاءَهُ فَكَابْتِدَاءِ عَقْدٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ، وَلَوْ أَبْرَأَ مِنْ نَصِيبِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَقُوِّمَ الْبَاقِي إنْ كَانَ مُوسِرًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ تَعَدَّدَ السَّيِّدُ كَشَرِيكَيْنِ فِي عَبْدٍ ‏(‏كَاتَبَاهُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا‏)‏ مَنْ كَاتَبَهُ أَوْ وَكَّلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ‏(‏صَحَّ إنْ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ‏)‏ جِنْسًا وَصِفَةً وَعَدَدًا وَأَجَلًا، وَفِي هَذَا إطْلَاقُ النَّجْمِ عَلَى الْمُؤَدَّى لِقَوْلِهِ ‏(‏وَجُعِلَ الْمَالُ‏)‏ الْمُكَاتَبُ عَلَيْهِ ‏(‏عَلَى نِسْبَةِ مِلْكَيْهِمَا‏)‏ سَوَاءٌ صَرَّحَا بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ أَمْ لَا لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى انْتِفَاعِ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ نِسْبَةُ مِلْكَيْهِمَا يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الشَّرِيكَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ الَّذِي يُكَاتِبَانِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَأَنَّهُ مَتَى اخْتَلَفَتْ النُّجُومُ أَوْ شَرَطَا التَّفَاوُتَ فِي النُّجُومِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمِلْكِ أَوْ بِالْعَكْسِ لَمْ يَصِحَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ ‏(‏فَلَوْ‏)‏ ‏(‏عَجَزَ‏)‏ الْعَبْدُ ‏(‏فَعَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا‏)‏ وَفَسَخَ الْكِتَابَةَ ‏(‏وَأَرَادَ الْآخَرُ إبْقَاءَهُ‏)‏ الْعَقْدِ ‏(‏فَكَابْتِدَاءِ عَقْدٍ‏)‏ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِ إذْنِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَا بِإِذْنِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لِمَا مَرَّ ‏(‏وَقِيلَ يَجُوزُ‏)‏ بِالْإِذْنِ قَطْعًا؛ لِأَنَّ الدَّوَامَ أَقْوَى مِنْ الِابْتِدَاءِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُ الْمُصَنِّفِ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِقِيلَ مُخَالِفٌ لِاصْطِلَاحِهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْحَابُ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ يَتَوَسَّعُونَ فِي جَعْلِ طُرُقِ الْأَصْحَابِ أَوْجُهًا ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏أَبْرَأَ‏)‏ وَاحِدٌ مِمَّنْ كَاتَبَا الْعَبْدَ مَعًا ‏(‏مِنْ نَصِيبِهِ‏)‏ مِنْ النُّجُومِ ‏(‏أَوْ أَعْتَقَهُ‏)‏ أَيْ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ ‏(‏عَتَقَ نَصِيبُهُ‏)‏ مِنْهُ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الِابْتِدَاءِ ‏(‏وَقُوِّمَ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏الْبَاقِي‏)‏ مِنْهُ وَسَرَى الْعِتْقُ عَلَيْهِ وَكَانَ الْوَلَاءُ لَهُ ‏(‏إنْ كَانَ مُوسِرًا‏)‏ أَمَّا فِي الْعِتْقِ فَلِمَا مَرَّ فِي بَابِهِ، وَأَمَّا فِي الْإِبْرَاءِ فَلِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ مَا يَسْتَحِقُّهُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَاتَبَ جَمِيعَهُ وَأَبْرَأَهُ عَنْ النُّجُومِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُ يُفْهِمُ أَنَّ التَّقْوِيمَ وَالسِّرَايَةَ فِي الْحَالِ وَهُوَ قَوْلٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ أَدَّى نَصِيبَ الْآخَرِ مِنْ النُّجُومِ عَتَقَ عَنْهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ عَجَزَ وَعَادَ إلَى الرِّقِّ فَحِينَئِذٍ يَسْرِي وَيُقَوَّمُ وَيَكُونُ كُلُّ الْوَلَاءِ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ، وَخَرَجَ بِالْإِبْرَاءِ وَالْإِعْتَاقِ مَا لَوْ قَبَضَ نَصِيبَهُ فَلَا يَعْتِقُ وَإِنْ رَضِيَ الْأُخَرُ بِتَقْدِيمِهِ، إذْ لَيْسَ لَهُ تَخْصِيصُ أَحَدِهِمَا بِالْقَبْضِ، وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ التَّعْجِيزِ وَالْأَدَاءِ مَاتَ مُبَعَّضًا، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ وَفَّاهُمَا وَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا وَحَلَفَ الْآخَرُ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُصَدِّقِ وَلَمْ يَسِرْ، وَلِلْمُكَذِّبِ مُطَالَبَةُ الْمُكَاتَبِ بِكُلِّ نَصِيبِهِ أَوْ بِالنِّصْفِ مِنْهُ وَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا بِيَدِ الْمُصَدِّقِ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُصَدِّقُ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْمُصَدِّقِ عَلَى الْمُكَذِّبِ، وَإِنْ ادَّعَى دَفْعَ الْجَمِيعِ لِأَحَدِهِمَا فَقَالَ لَهُ‏:‏ بَلْ أَعْطَيْتَ كُلًّا مِنَّا نَصِيبَهُ عَتَقَ نَصِيبُ الْمُقِرِّ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْآخَرِ وَصُدِّقَ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ نَصِيبَ الْآخَرِ بِحَلِفِهِ‏.‏ ثُمَّ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّتِهِ مِنْ الْمُكَاتَبِ إنْ شَاءَ أَوْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُقِرِّ نِصْفَ مَا أَخَذَ وَيَأْخُذَ النِّصْفَ الْآخَرَ مِنْ الْمُكَاتَبِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُقِرُّ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ

‏[‏ فَصْلٌ‏:‏ فِيمَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَمَا يُسَنُّ لَهُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَبَيَانِ حُكْمِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ‏]‏

المتن‏:‏

يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ، أَوْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِيمَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَمَا يُسَنُّ لَهُ وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَبَيَانِ حُكْمِ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ‏.‏ ‏(‏يَلْزَمُ السَّيِّدَ‏)‏ بَعْدَ صِحَّةِ كِتَابَةِ رَقِيقِهِ ‏(‏أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ جُزْءًا مِنْ الْمَالِ‏)‏ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ ‏(‏أَوْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ‏)‏ بَعْدَ أَخْذِ النُّجُومِ لِيَسْتَعِينَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ‏}‏ فُسِّرَ الْإِيتَاءُ بِمَا ذَكَرَ، وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ، وَإِنَّمَا خَرَجْنَا عَنْهُ فِي الْكِتَابَةِ لِدَلِيلٍ، وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى حَمْلِ الْإِيتَاءِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، فَيُعْمَلُ بِمَا اقْتَضَاهُ الظَّاهِرُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمَالِ لِلْعَهْدِ‏:‏ أَيْ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَأَفْهَمَ أَنَّهُ يَحُطُّ عَنْهُ جُزْءًا آخَرَ مِنْ الْمَالِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَوْ يَدْفَعُ إلَيْهِ جُزْءًا مِنْهُ بَعْدَ قَبْضِهِ، وَالْأَوَّلُ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ، فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ وَلَكِنْ يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَجَبَ قَبُولُهُ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ وَلَمْ يُؤْتِهِ لَزِمَ الْوَارِثَ أَوْ وَلِيَّهُ الْإِيتَاءُ، فَإِنْ كَانَ النَّجْمُ بَاقِيًا تَعَيَّنَ مِنْهُ وَقُدِّمَ عَلَى الدَّيْنِ، وَإِنْ تَلِفَ النَّجْمُ قُدِّمَ الْوَاجِبُ عَلَى الْوَصَايَا، وَإِنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فَالزَّائِدُ مِنْ الْوَصَايَا، وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَبْرَأَ الرَّقِيقَ عَنْ جَمِيعِ النُّجُومِ لَا يَجِبُ الْإِيتَاءُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا فِي الصَّدَاقِ لِزَوَالِ مَالِ الْكِتَابَةِ، وَكَذَا لَوْ وَهَبَهَا لَهُ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَاسْتَثْنَى الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ صُورَتَيْنِ لَا يَلْزَمُ الْإِيتَاءُ فِيهِمَا أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى مَنْفَعَةِ نَفْسِهِ، أَوْ يُكَاتِبَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَلَا يَحْتَمِلُ الثُّلُثُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ بِعِوَضٍ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ النُّجُومِ إلَّا الْقَدْرُ الْوَاجِبُ فِي الْإِيتَاءِ لَا يَسْقُطُ وَلَا يَحْصُلُ التَّعَارُضُ؛ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْحَطَّ أَصْلٌ فَلِلسَّيِّدِ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ تَعْجِيزُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ الْآتِي؛ لِأَنَّ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلَهُ، لَكِنْ يَرْفَعُهُ الْمُكَاتَبُ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَرَى رَأْيَهُ وَيَفْصِلَ الْأَمْرَ بَيْنَهُمَا‏.‏

المتن‏:‏

وَالْحَطُّ أَوْلَى، وَفِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ أَلْيَقُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَالِ، وَأَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَيُسْتَحَبُّ الرُّبُعُ، وَإِلَّا فَالسُّبُعُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَالْحَطُّ‏)‏ عَنْ الْمُكَاتَبِ ‏(‏أَوْلَى‏)‏ مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ، فَإِنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إعَانَتُهُ لِيَعْتِقَ، وَالْإِعَانَةُ فِي الْحَطِّ مُحَقَّقَةٌ، وَفِي الدَّفْعِ مَوْهُومَةٌ، فَإِنَّهُ قَدْ يُنْفِقُ الْمَالَ فِي جِهَةٍ أُخْرَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الْحَطَّ أَصْلٌ وَالْإِيتَاءَ بَدَلٌ عَنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ الْحَطُّ أَوْ الدَّفْعُ ‏(‏فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ أَلْيَقُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْعِتْقِ، وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا عَلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَوَضَعَ مِنْهَا خَمْسَةَ آلَافٍ، وَذَلِكَ مِنْ آخِرِ نَجْمِهِ ‏(‏وَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ‏)‏ مِنْ الْمَالِ ‏(‏وَلَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْمَالِ‏)‏ قِلَّةً وَكَثْرَةً؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ، وَهَذَا مَا نَقَلَاهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ، وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ أَقَلُّ مُتَمَوِّلٍ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْكِتَابِ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ إنَّ هَذَا مِنْ الْمُعْضِلَاتِ، فَإِنَّ إتْيَانَ فِلْسٍ لِمَنْ كُوتِبَ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ تُبْعِدُ إرَادَتَهُ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَأَطَالَ فِي ذَلِكَ، وَنَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أَجْمَعَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ‏}‏ أَنَّهَا رُبُعُ الْكِتَابَةِ، وَيُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى النَّدْبِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏ وَالثَّانِي لَا يَكْفِي مَا ذَكَرَ وَيَخْتَلِفُ بِحَسْبِ الْمَالِ فَيَجِبُ مَا يَلِيقُ بِالْحَالِ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ قَدَّرَهُ الْحَاكِمُ بِاجْتِهَادٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ كَاتَبَ شَرِيكَانِ مَثَلًا عَبْدًا لَزِمَ كُلًّا مِنْهُمَا مَا يَلْزَمُ الْمُنْفَرِدَ بِالْكِتَابَةِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ ‏(‏وَ‏)‏ الْأَصَحُّ ‏(‏أَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ‏)‏ أَيْ الْحَطِّ أَوْ الدَّفْعِ ‏(‏قَبْلَ الْعِتْقِ‏)‏ لِيَسْتَعِينَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ مُعَانٌ بِمَالَيْنِ زَكَاةٍ وَإِيتَاءٍ، فَلَمَّا كَانَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْعِتْقِ فَكَذَلِكَ الْإِيتَاءُ‏.‏ وَالثَّانِي بَعْدَهُ لِيَنْتَفِعَ بِهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ، وَيَجُوزُ مِنْ أَوَّلِ عَقْدِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهَا سَبَبُ الْوُجُوبِ كَمَا نَقُولُ‏:‏ الْفِطْرَةُ تَجِبُ بِغُرُوبِ شَمْسِ لَيْلَةِ الْعِيدِ، وَوَقْتُ الْجَوَازِ مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْوُجُوبِ هَذَا مَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَقِيلَ‏:‏ يَجِبُ بِالْعِتْقِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيَتَضَيَّقُ عِنْدَ الْعِتْقِ، وَبِهَذَا صَرَّحَ فِي التَّهْذِيبِ‏.‏ وَقِيلَ‏:‏ إنَّهُ يَتَضَيَّقُ إذَا بَقِيَ مِنْ النَّجْمِ الْأَخِيرِ الْقَدْرُ الَّذِي يَحْمِلُهُ أَوْ يُؤْتِيهِ إيَّاهُ، وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ صَادِقَةٌ بِكُلٍّ مِنْ ذَلِكَ، وَعَلَى كُلٍّ لَوْ أَخَّرَ عَنْ الْعِتْقِ أَثِمَ وَكَانَ قَضَاءً، فَقَوْلُ الرَّوْضَةِ وَيَجُوزُ بَعْدَ الْأَدَاءِ وَالْعِتْقِ لَكِنْ يَكُونُ قَضَاءً فِيهِ تَسَمُّحٌ ‏(‏وَيُسْتَحَبُّ الرُّبُعُ‏)‏ أَيْ حَطُّ قَدْرِ رُبُعِ مَالٍ الْكِتَابَةِ إنْ سَمَحَ بِهِ السَّيِّدُ ‏(‏وَإِلَّا فَالسُّبُعُ‏)‏ رَوَى حَطَّ الرُّبُعِ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ وَرَوَى عَنْهُ رَفْعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى حَطَّ السُّبُعِ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ بَقِيَ بَيْنَهُمَا حَطُّ السُّدُسِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى أَبِي أُسَيْدٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَحْرُمُ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ، وَلَا حَدَّ فِيهِ، وَيَجِبُ مَهْرٌ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَلَا تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَصَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً مُكَاتَبَةً فَإِنْ عَجَزَتْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَحْرُمُ‏)‏ عَلَى السَّيِّدِ ‏(‏وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ‏)‏ كِتَابَةً صَحِيحَةً لِاخْتِلَالِ مِلْكِهِ فِيهَا بِدَلِيلِ خُرُوجِ اكْتِسَابِهَا عَنْهُ وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ مِلْكَهُ عَنْهَا كَالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، وَلَوْ شَرَطَ فِي الْكِتَابَةِ أَنْ يَطَأَهَا فَسَدَ الْعَقْدُ خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَلْغُو الشَّرْطُ ‏(‏وَلَا حَدَّ‏)‏ عَلَى السَّيِّدِ ‏(‏فِيهِ‏)‏ أَيْ وَطْءِ مُكَاتَبَتِهِ وَإِنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، لَكِنْ يُعَزَّرُ عِنْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ‏.‏ وَكَذَا هِيَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْوَطْءِ قَدْ يُفْهِمُ جَوَازَ مَا عَدَا الِاسْتِمْتَاعَ، وَلَيْسَ مُرَادًا، فَقَدْ قَالَ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ فِي كِتَابِ الظِّهَارِ إنَّهُ يَحْرُمُ مِنْهَا كُلُّ اسْتِمْتَاعٍ قَالَ‏:‏ وَكَذَا الْمُبَعَّضَةُ‏.‏ وَأَمَّا النَّظَرُ إلَيْهِمَا وَنَظَرُ الْمُكَاتَبِ أَيْ الْمُبَعَّضِ إلَى سَيِّدَتِهِ فَقَدْ مَرَّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ ‏(‏وَيَجِبُ‏)‏ عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا ‏(‏مَهْرٌ‏)‏ وَإِنْ طَاوَعَتْهُ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ إطْلَاقِهِ وُجُوبُ مَهْرٍ وَاحِدٍ وَإِنْ تَكَرَّرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ فِي الصَّدَاقِ هَذَا حَيْثُ لَمْ تَقْبِضْ الصَّدَاقَ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا ثَانِيًا بَعْدَ قَبْضِهَا الْمَهْرَ وَجَبَ لَهَا مَهْرٌ ثَانٍ ‏(‏وَالْوَلَدُ‏)‏ الْحَاصِلُ مِنْ وَطْءِ السَّيِّدِ ‏(‏حُرٌّ‏)‏ نَسِيبٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَقَتْ بِهِ فِي مِلْكِهِ ‏(‏وَلَا تَجِبُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏قِيمَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِانْعِقَادِهِ حُرًّا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَمَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ لَهَا قِيمَتُهُ بِنَاءً عَلَى قَوْلٍ يَأْتِي أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي وَلَدِهَا مِنْ غَيْرِهِ، وَالْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَابِلِهِ الْأَظْهَرِ أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِيهِ لِلسَّيِّدِ مَعَ قَوْلٍ آخَرَ أَنَّهُ مَمْلُوكٌ ‏(‏وَصَارَتْ‏)‏ بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ ‏(‏مُسْتَوْلَدَةً مُكَاتَبَةً‏)‏ فَيَكُونُ لِعِتْقِهَا سَبَبَانِ، وَلَا يُبْطِلُ الِاسْتِيلَادُ حُكْمَ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْعِتْقُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْمُرَادُ بِكَوْنِهَا تَصِيرُ مُكَاتَبَةً أَنَّهَا مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى كِتَابَتِهَا، وَإِلَّا فَالْكِتَابَةُ ثَابِتَةٌ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ كَالْمُحَرَّرِ‏:‏ وَهِيَ مُسْتَوْلَدَةٌ مُكَاتَبَةٌ كَانَ أَوْلَى، فَإِنْ أَدَّتْ النُّجُومَ عَتَقَتْ عَنْ الْكِتَابَةِ وَتَبِعَهَا كَسْبُهَا وَوَلَدُهَا ‏(‏فَإِنْ عَجَزَتْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ عَنْ الِاسْتِيلَادِ وَعَتَقَ مَعَهَا أَوْلَادُهَا الْحَادِثُونَ بَعْدَ الِاسْتِيلَادِ دُونَ مَنْ قَبْلَهُ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ عَجْزِهَا عَتَقَتْ أَيْضًا، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا تَعْتِقُ عَنْ الْكِتَابَةِ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ مُكَاتَبَهُ مُنْجِزًا أَوْ عَلَّقَهُ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ قَبْلَ الْأَدَاءِ، وَيَتْبَعُهَا كَسْبُهَا وَأَوْلَادُهَا الْحَادِثُونَ بَعْدَ الْكِتَابَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

وَطْءُ أَمَةِ الْمُكَاتَبِ حَرَامٌ عَلَى السَّيِّدِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ بِوَطْئِهَا وَيَلْزَمُهُ الْمَهْرُ بِوَطْئِهَا جَزْمًا، فَإِنْ أَحْبَلَهَا فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ لِلشُّبْهَةِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ وَتَصِيرُ الْأَمَةُ مُسْتَوْلَدَةً لَهُ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِسَيِّدِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَوَلَدُهَا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا مُكَاتَبٌ فِي الْأَظْهَرِ يَتْبَعُهَا رِقًّا وَعِتْقًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَالْحَقُّ فِيهِ لِلسَّيِّدِ، وَفِي قَوْلٍ لَهَا، فَلَوْ قَتَلَ فَقِيمَتُهُ لِذِي الْحَقِّ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّ أَرْشَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَكَسْبَهُ وَمَهْرَهُ يُنْفَقُ مِنْهَا عَلَيْهِ، وَمَا فَضَلَ وُقِفَ، فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَمَنْ كَاتَبَ أَمَةً حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْءُ بِنْتِهَا الَّتِي تَكَاتَبَتْ عَلَيْهَا، وَيَلْزَمُهُ بِهِ الْمَهْرُ، وَلَا حَدَّ لِلشُّبْهَةِ، وَيُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْهُ وَمِنْ بَاقِي كَسْبِهَا وَيُوقَفُ الْبَاقِي، فَإِنْ عَتَقَتْ مَعَ الْأُمِّ فَهُوَ لَهَا، وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ، فَإِنْ أَحْبَلَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ وَيَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا لِلْمُكَاتَبِ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ لَا تَجِبُ قِيمَتُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْأُمَّ، وَلَا قِيمَةُ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُهَا، وَتَعْتِقُ إمَّا بِعِتْقِ أُمِّهَا أَوْ مَوْتِ سَيِّدِهَا ‏(‏وَوَلَدُهَا‏)‏ أَيْ الْمُكَاتَبَةِ الْحَادِثُ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَقَبْلَ الْعِتْقِ ‏(‏مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا مُكَاتَبٌ‏)‏ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ يَتْبَعُهَا رِقًّا وَعِتْقًا‏)‏؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِهَا فَيُوقَفُ أَمْرُهُ عَلَى رِقِّهَا وَحُرِّيَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ كَمَا يَتْبَعُهَا فِي الْحُرِّيَّةِ كَوَلَدِ الْمُسْتَوْلَدَةِ ‏(‏وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ‏)‏ لِلسَّيِّدِ، إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الْتِزَامٌ‏.‏ وَالثَّانِي هُوَ مَمْلُوكٌ لِلسَّيِّدِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ مُكَاتَبٌ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُكَاتَبًا، وَلِهَذَا قَالَ عَقِبَهُ يَتْبَعُهَا رِقًّا وَعِتْقًا، وَالْمُرَادُ يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ إذَا عَتَقَتْ بِالْكِتَابَةِ‏.‏ أَمَّا إذَا رَقَّتْ ثُمَّ عَتَقَتْ بِجِهَةٍ أُخْرَى غَيْرِ الْكِتَابَةِ الْأُولَى لَا يَتْبَعُهَا فِي الْعِتْقِ، وَقَدْ تُوهِمُ عِبَارَتُهُ إرَادَةَ مَا سَبَقَ فِي الْمُكَاتَبَةِ الْمُسْتَوْلَدَةِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ هَذَا فِي الْمُكَاتَبَةِ الْمُجَرَّدَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِنَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْكِتَابَةِ أَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَلِهَذَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الْمُكَاتَبِ صُوَرٌ إحْدَاهَا‏:‏ أَنَّ لِلسَّيِّدِ مُكَاتَبَتَهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ لَهُ كِتَابَتُهُ تَبَعِيَّةً‏.‏ الثَّانِيَةُ‏:‏ أَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَيْسَ لَهُ‏.‏ الثَّالِثَةُ‏:‏ لَوْ كَانَتْ أُنْثَى فَوَطِئَهَا السَّيِّدُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مَهْرٌ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي الْوَلَدِ لِلسَّيِّدِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ ‏(‏وَالْحَقُّ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْوَلَدِ ‏(‏لِلسَّيِّدِ‏)‏ كَمَا أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِي الْأُمِّ لَهُ ‏(‏وَفِي قَوْلٍ لَهَا‏)‏ أَيْ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْحَقُّ فِيهِ لَهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ هَذَا التَّرْجِيحِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مِنْ عَبْدِهَا، فَإِنْ كَانَ مِنْهُ فَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبِ مِنْ جَارِيَتِهِ يَعْنِي فَيَكُونُ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْأُمِّ قَطْعًا‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ وَعِنْدِي أَنَّهُ وَهْمٌ، فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ جَارِيَتَهُ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ، وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ إنَّمَا جَاءَهُ الرِّقُّ مِنْ أُمِّهِ لَا مِنْ رِقِّ أَبِيهِ الَّذِي هُوَ عَبْدُهَا انْتَهَى وَهَذَا أَوْجَهُ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَسَائِلَ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ ‏(‏فَلَوْ قَتَلَ‏)‏ الْوَلَدَ ‏(‏فَقِيمَتُهُ لِذِي الْحَقِّ‏)‏ مِنْهُمَا، فَإِنْ قُلْنَا‏:‏ لِلسَّيِّدِ فَقِيمَتُهُ لَهُ كَقِيمَةِ الْأُمِّ، أَوْ لِلْأُمِّ فَلَهَا تَسْتَعِينُ بِهَا فِي أَدَاءِ النُّجُومِ ‏(‏وَالْمَذْهَبُ‏)‏ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْأَظْهَرِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ ‏(‏أَنَّ أَرْشَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ‏)‏ أَيْ وَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ فِيمَا دُونَ نَفْسِهِ ‏(‏وَ‏)‏ أَنَّ ‏(‏كَسْبَهُ وَمَهْرَهُ يُنْفَقُ مِنْهُمَا عَلَيْهِ وَمَا فَضَلَ‏)‏ عَنْ ذَلِكَ ‏(‏وُقِفَ، فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ‏)‏ كَمَا أَنَّ كَسْبَ الْأُمِّ إذَا عَتَقَتْ يَكُونُ لَهَا، وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ، وَفِي وَجْهٍ لَا يُوقَفُ بَلْ يُصْرَفُ إلَى سَيِّدِهَا‏.‏ هَذَا كُلُّهُ عَلَى قَوْلِ أَنَّ حَقَّ الْمِلْكِ فِيهِ لِسَيِّدِهَا، وَعَلَى قَوْلِ أَنَّهُ لَهَا فَيَكُونُ لَهَا مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَغَيْرِهِ لَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَسْبٌ أَوْ لَمْ يَفِ بِمُؤْنَتِهِ فَعَلَى السَّيِّدِ مُؤْنَتُهُ فِي الْأُولَى وَبَقِيَّتُهَا فِي الثَّانِيَةِ وَيُصَدَّقُ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ أَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ حَتَّى يَكُونَ رَقِيقًا لَهُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ اخْتِلَافٌ فِي وَقْتِ الْكِتَابَةِ فَيُصَدَّقُ فِيهِ كَأَصْلِهَا، وَلِأَنَّ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِيمَا يَحْدُثُ مِنْ مِلْكِهِ وَهِيَ تَدَّعِي حُدُوثَ مَانِعٍ مِنْهُ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قَالَ الدَّارِمِيُّ‏:‏ قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ‏:‏ وُقِفَ الْأَمْرُ حَتَّى‏.‏ يَبْلُغَ الْوَلَدُ وَيَحْلِفَ وَقِيلَ‏:‏ إنَّ الْأُمَّ تَحْلِفُ، فَإِنْ شَهِدَ لِلسَّيِّدِ بِدَعْوَاهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ قُبِلْنَ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْجَمِيعَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنْ الْمُكَاتَبِ حَتَّى يُؤَدِّيَ‏)‏ لِلسَّيِّدِ ‏(‏الْجَمِيعَ‏)‏ مِنْ النُّجُومِ لِحَدِيثِ ‏{‏الْمُكَاتَبُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ‏}‏ وَفِي مَعْنَى أَدَائِهِ حَطُّ الْبَاقِي عَنْهُ الْوَاجِبِ وَالْإِبْرَاءُ مِنْهُ وَالْحَوَالَةُ بِهِ، وَلَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ عَلَيْهِ وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ كَاتَبَهُ مُطْلَقًا وَأَدَّى بَعْضَ الْمَالِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الْبَاقِيَ بَعْدَ الْعِتْقِ صَحَّ، وَلَوْ شَرَطَ السَّيِّدُ أَنَّهُ إذَا أَدَّى النَّجْمَ الْأَوَّلَ عَتَقَ وَبَقِيَ الْبَاقِي فِي ذِمَّتِهِ يُؤَدِّيهِ بَعْدَ الْعِتْقِ صَحَّ أَيْضًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ أَتَى بِمَالٍ فَقَالَ السَّيِّدُ هَذَا حَرَامٌ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ، وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ تَأْخُذُهُ أَوْ تُبْرِئُهُ عَنْهُ، فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ نَكَلَ الْمُكَاتَبُ حَلَفَ السَّيِّدُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏أَتَى‏)‏ الْمُكَاتَبُ ‏(‏بِمَالٍ فَقَالَ‏)‏ لَهُ ‏(‏السَّيِّدُ هَذَا حَرَامٌ‏)‏ أَيْ لَا تَمْلِكُهُ ‏(‏وَلَا بَيِّنَةَ‏)‏ لَهُ بِذَلِكَ ‏(‏حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ‏)‏ مَمْلُوكٌ لَهُ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْيَدِ ‏(‏وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏تَأْخُذُهُ أَوْ تُبْرِئُهُ عَنْهُ‏)‏ أَيْ عَنْ قَدْرِهِ وَيُجْبَرُ عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ كَيْفَ نَأْمُرُ السَّيِّدَ بِأَخْذِهِ وَهُوَ يُقِرُّ بِكَوْنِهِ حَرَامًا‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّا لَمْ نَأْمُرْهُ بِالْقَبْضِ عَيْنًا، بَلْ خَيَّرْنَاهُ، فَإِنْ اخْتَارَ الْإِبْرَاءَ فَذَاكَ، وَإِنْ اخْتَارَ الْقَبْضَ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، فَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ وَقَالَ‏:‏ هُوَ لِلْمُكَاتَبِ قُبِلَ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَنَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَيْرِهِ لَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ إنْ صَدَّقَهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مَالِكًا أَوْ عَيَّنَهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ أُقِرَّ فِي يَدِهِ وَيُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ ‏(‏فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي‏)‏ وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ إنْ أَدَّى الْكُلَّ ‏(‏فَإِنْ نَكَلَ الْمُكَاتَبُ‏)‏ عَنْ الْحَلِفِ ‏(‏حَلَفَ السَّيِّدُ‏)‏ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِلْكُهُ لِغَرَضِ امْتِنَاعِهِ مِنْ الْحَرَامِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ أَصْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ، فَإِنْ كَانَ كَمَا إذَا أَتَى إلَيْهِ بِلَحْمٍ فَقَالَ‏:‏ هَذَا حَرَامٌ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُذَكًّى فَقَالَ بَلْ مُذَكًّى صُدِّقَ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّذْكِيَةِ، وَاحْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَلَا بَيِّنَةَ عَمَّا لَوْ أَقَامَ السَّيِّدُ بَيِّنَةً عَلَى مَا يَقُولُهُ فَلَا يُجْبَرُ وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ فِيهِ غَرَضًا ظَاهِرًا، وَهُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ الْحَرَامِ، وَلَا يَثْبُتُ بِهَا وَلَا بِيَمِينِهِ مِلْكٌ لِمَنْ عَيَّنَهُ لَهُ، وَلَا يَسْقُطُ بِحَلِفِ الْمُكَاتَبِ حَقُّ مَنْ عَيَّنَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ خَرَجَ الْمُؤَدَّى مُسْتَحَقًّا رَجَعَ السَّيِّدُ بِبَدَلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ بَانَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ خَرَجَ‏)‏ أَيْ ظَهَرَ فِي حَيَاةِ الْمُكَاتَبِ كَوْنُ ‏(‏الْمُؤَدَّى‏)‏ مِنْ النُّجُومِ أَوْ بَعْضِهَا ‏(‏مُسْتَحَقًّا‏)‏ بِبَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَإِلْزَامِ الْحَاكِمِ لَا بِإِقْرَارٍ أَوْ يَمِينٍ مَرْدُودَةٍ ‏(‏رَجَعَ السَّيِّدُ بِبَدَلِهِ‏)‏ لِفَسَادِ الْقَبْضِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْمُرَادُ أَنْ يَرْجِعَ بِمُسْتَحَقِّهِ وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ لَكَانَ أَوْلَى ‏(‏فَإِنْ كَانَ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ بَانَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ‏)‏ لِبُطْلَانِ الْأَدَاءِ، فَإِنْ ظَهَرَ الِاسْتِحْقَاقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُكَاتَبِ بَانَ أَنَّهُ مَاتَ رَقِيقًا وَأَنَّ مَا تَرَكَ لِلسَّيِّدِ دُونَ الْوَرَثَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يَتَقَيَّدُ ذَلِكَ بِالنَّجْمِ الْأَخِيرِ، فَلَوْ كَانَ فِي غَيْرِهِ وَدَفَعَ الْأَخِيرَ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَبَرٍ تُبُيِّنَ بِخُرُوجِ غَيْرِهِ مُسْتَحَقًّا كَوْنُهُ لَمْ يَعْتِقْ أَيْضًا، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِبَعْضِ النُّجُومِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ كَانَ قَالَ عِنْدَ أَخْذِهِ أَنْتَ حُرٌّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ كَانَ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏قَالَ عِنْدَ أَخْذِهِ‏)‏ لِلْمُكَاتَبِ ‏(‏أَنْتَ حُرٌّ‏)‏ أَوْ فَقَدْ أَعْتَقْتُك، فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِهِ أَيْضًا فِي الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ وَهُوَ صِحَّةُ الْأَدَاءِ، وَقَدْ بَانَ خِلَافُهُ فَلَمْ يَنْفُذْ الْعِتْقُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ عِنْدَ أَخْذِهِ يُوهِمُ التَّصْوِيرَ بِمَا إذَا قَالَهُ مُتَّصِلًا بِقَبْضِ النُّجُومِ، وَهُوَ مَا نَقَلَاهُ عَنْ كَلَامِ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ‏:‏ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ إشْعَارٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَأَنْتَ حُرٌّ إنَّمَا يَقْبَلُ تَنْزِيلَهُ عَلَى الْحُرِّيَّةِ بِمُوجِبِ الْقَبْضِ إذَا رَتَّبَ عَلَى الْقَبْضِ، فَلَوْ انْفَصَلَ عَنْ الْقَرَائِنِ لَمْ يَقْبَلْ التَّأْوِيلَ قَالَا‏:‏ وَهَذَا تَفْصِيلٌ قَوِيمٌ لَا بَأْسَ بِالْأَخْذِ بِهِ، لَكِنْ فِي الْوَسِيطِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ حُرِّيَّتِهِ أَوْ ابْتِدَاءً، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِقَبْضِ النُّجُومِ أَوْ غَيْرَ مُتَّصِلٍ ا هـ‏.‏

وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِمَا إذَا قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ حَالِهِ بَعْدَ أَدَاءِ النُّجُومِ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَإِنْ قَصَدَ إنْشَاءَ الْعِتْقِ بَرِئَ الْمُكَاتَبُ وَعَتَقَ‏.‏ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ مَحِلُّ عَدَمِ عِتْقِهِ إذَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ بِمَا جَرَى، فَلَوْ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْشَاءِ أَوْ أَطْلَقَ لَمْ يَرْتَفِعْ بِخُرُوجِ الْمَدْفُوعِ مُسْتَحَقًّا بَلْ يَعْتِقُ عَنْ جِهَةِ الْكِتَابَةِ وَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَأَوْلَادُهُ ا هـ‏.‏

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِيمَا لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ‏:‏ إنْ أَبْرَأْتنِي طَلَّقْتُكِ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ مَجْهُولٍ فَقَالَ لَهَا‏:‏ أَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ مِنْ مَجْهُولٍ، وَلَوْ قَالَ الْمُكَاتَبُ‏:‏ أَعْتَقْتَنِي بِقَوْلِكَ أَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ السَّيِّدُ إنَّمَا أَرَدْتُ بِمَا أَدَّيْت صُدِّقَ السَّيِّدُ بِيَمِينِهِ‏.‏ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ طَلَّقْتَ امْرَأَتَك‏.‏ فَقَالَ‏:‏ نَعَمْ طَلَّقْتُهَا‏.‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إنَّمَا قُلْتُهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي جَرَى طَلَاقٌ، وَقَدْ أَفْتَى الْفُقَهَاءُ بِخِلَافِهِ وَلَوْ نَازَعَتْهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ خَرَجَ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ خَرَجَ‏)‏ الْمُؤَدَّى مِنْ النُّجُومِ ‏(‏مَعِيبًا‏)‏ وَلَمْ يَرْضَ السَّيِّدُ بِهِ ‏(‏فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ السَّلِيمَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَخْذُ الْمَعِيبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُوهِمُ كَلَامُهُ حُصُولَ الْعِتْقِ بِالْأَخْذِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ الْأَصَحُّ أَنَّا نَتَبَيَّنُ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَحْصُلْ بِالْأَخْذِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَكَانَ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ نَفَذَ الْعِتْقُ، وَرِضَاهُ بِالْعَيْبِ كَالْإِبْرَاءِ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ وَثَبَتَ حُصُولُهُ مِنْ وَقْتِ الْقَبْضِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ‏:‏ مِنْ وَقْتِ الرِّضَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَتَسَرَّى بِإِذْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَتَزَوَّجُ‏)‏ الْمُكَاتَبُ ‏(‏إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ كَمَا مَرَّ ‏(‏وَلَا يَتَسَرَّى بِإِذْنِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَخَوْفًا مِنْ هَلَاكِ الْجَارِيَةِ فِي الطَّلْقِ فَمَنْعُهُ مِنْ الْوَطْءِ كَمَنْعِ الرَّاهِنِ مِنْ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ، وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ وَزَوَائِدِهَا فِي مُعَامَلَاتِهِ مِنْ تَرْجِيحِ جَوَازِهِ بِالْإِذْنِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ بِتَمْلِيكِ السَّيِّدِ، فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَدِيدِ وَهُوَ مَنْعُ مِلْكِهِ، وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ هُنَا بِأَنَّ تَسَرِّيَهُ بِإِذْنِ السَّيِّدِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي تَمْلِيكِ الْعَبْدِ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ‏.‏ فَإِذًا لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْأَبْوَابِ كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْوَطْءِ كَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّسَرِّيَ أَخَصُّ مِنْ الْوَطْءِ لِاشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ وَالْحَجْبِ فِيهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَهُ شِرَاءُ الْجَوَارِي لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ، وَالْوَلَدُ نَسِيبٌ فَإِنْ وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَبِعَهُ رِقًّا وَعِتْقًا، وَلَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَطَؤُهَا فَهُوَ حُرٌّ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمُكَاتَبِ ‏(‏شِرَاءُ الْجَوَارِي لِلتِّجَارَةِ‏)‏ تَوَسُّعًا فِي طُرُقِ الِاكْتِسَابِ ‏(‏فَإِنْ وَطِئَهَا‏)‏ أَيْ جَارِيَتَهُ عَلَى خِلَافِ مَنْعِهِ مِنْهُ ‏(‏فَلَا حَدَّ‏)‏ عَلَيْهِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ، وَكَذَا لَا مَهْرَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لَكَانَ لَهُ ‏(‏وَالْوَلَدُ‏)‏ الْحَاصِلُ مِنْ وَطْئِهِ ‏(‏نَسِيبٌ‏)‏ لَاحِقٌ بِهِ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ ‏(‏فَإِنْ وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ‏)‏ أَيْ قَبْلَ عِتْقِ أَبِيهِ أَوْ مَعَهُ ‏(‏أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ‏)‏ لَكِنْ ‏(‏لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ‏)‏ مِنْ وَطْئِهِ ‏(‏تَبِعَهُ‏)‏ الْوَلَدُ ‏(‏رِقًّا وَعِتْقًا‏)‏ وَلَا يَعْتِقُ فِي الْحَالِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لِضَعْفِ مِلْكِهِ، بَلْ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ جَارِيَتِهِ، وَلَا يَمْلِكُ خُرُوجَهُ عَنْ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى عِتْقِ أَبِيهِ، فَإِنْ عَتَقَ عَتَقَ وَإِلَّا رَقَّ وَصَارَ لِلسَّيِّدِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ إنَّ وَلَدَهُ مُكَاتَبٌ عَلَيْهِ ‏(‏وَلَا تَصِيرُ‏)‏ أُمُّهُ ‏(‏مُسْتَوْلَدَةً‏)‏ لِلْمُكَاتَبِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا عَلَقَتْ بِمَمْلُوكٍ فَأَشْبَهَتْ الْأَمَةَ الْمَنْكُوحَةَ، وَالثَّانِي‏:‏ تَصِيرُ؛ لِأَنَّ وَلَدَهَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ بِكِتَابَتِهِ عَلَى أَبِيهِ وَامْتِنَاعِ بَيْعِهِ فَثَبَتَ لَهَا حُرْمَةُ الِاسْتِيلَادِ، هَذَا كُلُّهُ إذَا وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ ‏(‏وَ‏)‏ أَمَّا ‏(‏إنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ‏)‏ فَيُنْظَرُ إنْ وَلَدَتْهُ ‏(‏لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ‏)‏ مِنْ الْوَطْءِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعِدَدِ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِمَا فَوْقَ السِّتَّةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، فَكُلٌّ مِنْ الْعِبَارَتَيْنِ صَحِيحٌ ‏(‏وَكَانَ يَطَؤُهَا‏)‏ وَوَقَعَ الْوَطْءُ مَعَ الْعِتْقِ أَوْ بَعْدَهُ فِي صُورَةِ الْأَكْثَرِ وَوَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا مِنْ الْوَطْءِ ‏(‏فَهُوَ حُرٌّ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ‏)‏ لِظُهُورِ الْعُلُوقِ فِي الرِّقِّ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَلَا نَظَرَ إلَى احْتِمَالِ الْعُلُوقِ فِي الرِّقِّ تَغْلِيبًا لِلْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا مَعَ الْعِتْقِ وَلَا بَعْدَهُ، أَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْوَطْءِ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ عَجَّلَ النُّجُومَ لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَى الْقَبُولِ إنْ كَانَ لَهُ فِي الِامْتِنَاعِ غَرَضٌ كَمُؤْنَةِ حِفْظِهِ أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَيُجْبَرُ فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏عَجَّلَ‏)‏ الْمُكَاتَبُ ‏(‏النُّجُومَ‏)‏ قَبْلَ مَحِلِّهَا ‏(‏لَمْ يُجْبَرْ السَّيِّدُ عَلَى الْقَبُولِ‏)‏ لِمَا عَجَّلَ ‏(‏إنْ كَانَ لَهُ فِي الِامْتِنَاعِ‏)‏ مِنْ قَبْضِهَا ‏(‏غَرَضٌ‏)‏ صَحِيحٌ ‏(‏كَمُؤْنَةِ حِفْظِهِ‏)‏ أَيْ مَالِ النُّجُومِ إلَى مَحِلِّهِ كَالطَّعَامِ الْكَثِيرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ أَطْلَقَ الْمُؤْنَةَ كَانَ أَخْصَرَ وَأَشْمَلَ لِدُخُولِ مُؤْنَةِ الْعَلْفِ، وَقَدْ ذَكَرَهَا فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ‏)‏ بِسَبَبٍ ظَاهِرٍ يُتَوَقَّعُ زَوَالُهُ بِأَنْ كَانَ زَمَنَ نَهْبٍ أَوْ إغَارَةٍ لِمَا فِي الْإِجْبَارِ مِنْ الضَّرَرِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَلَوْ أَنْشَأَ الْكِتَابَةَ فِي زَمَنِ نَهْبٍ أَوْ إغَارَةٍ وَعَجَّلَ فِيهِ لَمْ يُجْبَرْ أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَزُولُ عِنْدَ الْمَحِلِّ‏.‏ قَالَ الرُّويَانِيُّ‏:‏ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَوْفُ مَعْهُودًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ لَزِمَهُ الْقَبُولُ وَجْهًا وَاحِدًا، وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَعْبِيرُهُ بِالنُّجُومِ لَيْسَ بِقَيْدٍ، فَلَوْ أَحْضَرَ النَّجْمَ الْأَوَّلَ أَوْ غَيْرَهُ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَمْهِيدِ سَبَبِ الْعِتْقِ، وَمِنْ الْأَغْرَاضِ مَا إذَا كَانَ طَعَامًا يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ رَطْبًا، قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ مِنْ الْأَغْرَاضِ أَنَّ الدَّيْنَ فِي ذِمَّةِ الْمُكَاتَبِ لَا زَكَاةَ فِيهِ‏.‏ فَإِذَا جَاءَ بِهِ قَبْلَ الْمَحِلِّ كَانَ لِلْمَالِكِ غَرَضٌ فِي أَنْ لَا يَأْخُذَهُ لِئَلَّا تَتَعَلَّقَ بِهِ الزَّكَاةُ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ، وَالظَّاهِرُ اعْتِبَارُهُ ا هـ‏.‏

وَهُوَ ظَاهِرٌ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ قَبْضِ النُّجُومِ ‏(‏فَيُجْبَرُ‏)‏ عَلَى قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ لِلْمُكَاتَبِ غَرَضًا ظَاهِرًا وَهُوَ تَنْجِيزُ الْعِتْقِ أَوْ تَقْرِيبُهُ، وَلَا ضَرَرَ عَلَى السَّيِّدِ فِي الْقَبُولِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْإِجْبَارَ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْقَبْضِ، وَلَكِنْ تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا أَتَى الْمُكَاتَبُ بِمَالٍ‏.‏ فَقَالَ السَّيِّدُ‏:‏ هَذَا حَرَامٌ وَلَا بَيِّنَةَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ أُجْبِرَ السَّيِّدُ عَلَى أَخْذِهِ أَوْ الْإِبْرَاءِ مِنْهُ، فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي وَلَمْ يَذْكُرُوا هُنَا الْإِبْرَاءَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْحَقَ بِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بِحُلُولِ الْحَقِّ هُنَاكَ بِخِلَافِهِ هُنَا، وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ، وَجَرَى عَلَيْهِ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ ‏(‏فَإِنْ أَبَى‏)‏ قَبُولَهُ وَالْإِبْرَاءَ مِنْهُ عَلَى مَا مَرَّ أَوْ كَانَ غَائِبًا ‏(‏قَبَضَهُ الْقَاضِي‏)‏ عَنْهُ وَعَتَقَ الْمُكَاتَبُ إنْ أَدَّى الْكُلَّ؛ لِأَنَّهُ نَائِبُ الْمُمْتَنِعِينَ وَالْغَائِبِينَ، وَلَيْسَ لِلْقَاضِي قَبْضُ دَيْنِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ إلَّا سُقُوطَ الدَّيْنِ عَنْهُ، وَالنَّظَرُ لِلْغَائِبِ أَنْ يَبْقَى الْمَالَ فِي ذِمَّةِ الْمَلِيءِ فَإِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَصِيرَ أَمَانَةً عِنْدَ الْحَاكِمِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ عَجَّلَ بَعْضَهَا لِيُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي فَأَبْرَأَ لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَلَا الْإِبْرَاءُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏عَجَّلَ‏)‏ الْمُكَاتَبُ ‏(‏بَعْضَهَا‏)‏ أَيْ النُّجُومِ ‏(‏لِيُبْرِئَهُ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏مِنْ الْبَاقِي‏)‏ مِنْهَا ‏(‏فَأَبْرَأَ‏)‏ مَعَ الْأَخْذِ ‏(‏لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَلَا الْإِبْرَاءُ‏)‏ لِفَسَادِ الشَّرْطِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ الِالْتِمَاسُ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُجْمَعَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ إذَا حَلَّ دَيْنُهُ يَقُولُ لِمَدِينِهِ اقْضِ أَوْ زِدْ، فَإِنْ قَضَاهُ وَإِلَّا زَادَهُ فِي الدَّيْنِ وَفِي الْأَجَلِ، وَعَلَى السَّيِّدِ رَدُّ الْمَأْخُوذِ وَلَا عِتْقَ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَبْضِ وَالْبَرَاءَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفِ لَا يَخْتَصُّ بِدَيْنِ الْكِتَابَةِ بَلْ سَائِرُ الدُّيُونِ كَذَلِكَ لِمَا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ النُّجُومِ، وَلَا الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، فَلَوْ بَاعَ وَأَدَّى إلَى الْمُشْتَرِي لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُطَالِبُ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ، وَالْمُكَاتَبُ الْمُشْتَرِيَ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رَقَبَتِهِ فِي الْجَدِيدِ، فَلَوْ بَاعَ فَأَدَّى إلَى الْمُشْتَرِي فَفِي عِتْقِهِ الْقَوْلَانِ، وَهِبَتُهُ كَبَيْعِهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يَصِحُّ‏)‏ ‏(‏بَيْعُ النُّجُومِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، وَلِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ مَعَ لُزُومِهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِتَطَرُّقِ السُّقُوطِ إلَيْهِ، فَالنُّجُومُ بِذَلِكَ أَوْلَى، وَهَذَا يُسْقِطُ مَا قِيلَ إنَّ الْمُصَنِّفَ صَحَّحَ فِي الرَّوْضَةِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنَّ بَيْعَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، وَمُقْتَضَاهُ تَرْجِيحُ بَيْعِ النُّجُومِ ‏(‏وَلَا الِاعْتِيَاضُ‏)‏ أَيْ الِاسْتِبْدَالُ ‏(‏عَنْهَا‏)‏ مِنْ الْمُكَاتَبِ كَأَنْ تَكُونَ النُّجُومُ دَنَانِيرَ فَيُعْطَى بَدَلَهَا دَرَاهِمُ، وَهَذَا مَا صَحَّحَاهُ هُنَا تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِمَّا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي بَابِ الشُّفْعَةِ عَنْ الْأَصْحَابِ مِنْ الْجَوَازِ لِمَا مَرَّ، وَإِنْ صَوَّبَ الْإِسْنَوِيُّ مَا هُنَاكَ وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا هُنَا فِي مَنْهَجِهِ ‏(‏فَلَوْ‏)‏ ‏(‏بَاعَ‏)‏ السَّيِّدُ النُّجُومَ ‏(‏وَأَدَّى‏)‏ الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ ‏(‏إلَى الْمُشْتَرِي‏)‏ ‏(‏لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ وَإِنْ تَضَمَّنَ الْبَيْعُ الْإِذْنَ فِي قَبْضِهَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي مُقَابَلَةِ سَلَامَةِ الْعِوَضِ فَلَمْ تُسَلَّمْ فَلَمْ يَبْقَ الْإِذْنُ، وَلَوْ سُلِّمَ بَقَاؤُهُ لِكَوْنِ الْمُشْتَرِي كَالْوَكِيلِ، وَبِهِ عُلِّلَ الْوَجْهُ الثَّانِي الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ، فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَقْبِضُ النُّجُومَ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ بَاعَهَا وَأَذِنَ لِلْمُشْتَرِي فِي قَبْضِهَا مَعَ عِلْمِهِمَا بِفَسَادِ الْبَيْعِ عَتَقَ بِقَبْضِهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى الْأَوَّلِ ‏(‏يُطَالِبُ السَّيِّدُ الْمُكَاتَبَ، وَالْمُكَاتَبُ الْمُشْتَرِيَ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ‏)‏ وَعَلَى الثَّانِي مَا أَخَذَهُ يَقْبِضُهُ السَّيِّدُ؛ لِأَنَّهُ كَوَكِيلِهِ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رَقَبَتِهِ‏)‏ أَيْ الْمُكَاتَبِ كِتَابَةً صَحِيحَةً ‏(‏فِي الْجَدِيدِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَرْفَعُ الْكِتَابَةَ لِلُزُومِهَا مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ فَيَبْقَى مُسْتَحَقَّ الْعِتْقِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ كَالْمُسْتَوْلَدَةِ، وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ كَالْعِتْقِ بِصِفَةٍ، وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمُكَاتَبُ بِالْبَيْعِ، فَإِنْ رَضِيَ بِهِ جَازَ وَكَانَ رِضَاهُ فَسْخًا، كَمَا جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي تَعْلِيقِهِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِبْطَالِهِ، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ، وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا صُوَرٌ‏:‏ مِنْهَا مَا إذَا بِيعَ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُكَاتَبُ وَتَرْتَفِعُ الْكِتَابَةُ، وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إعْتَاقُهُ وَالْوَلَاءُ لَهُ ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ تَخْرِيجًا؛ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ أَطْلَقَ جَوَازَ بَيْعِ الْعَبْدِ بِشَرْطِ الْعِتْقِ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ وَالْحَالُ أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً، وَمِنْهَا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ إذَا قَالَ‏:‏ أَعْتِقْ مُكَاتَبَكَ عَنِّي عَلَى أَلْفٍ، ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا وَقَالَ‏:‏ إنَّهُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ الَّتِي قَبْلَهَا مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ الْبُطْلَانُ، وَإِذَا كَانَ الْمَنْقُولُ فِي هَذِهِ الْبُطْلَانَ فَالْبُطْلَانُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَهُوَ كَذَلِكَ، وَيُحْمَلُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ عَلَى أَنَّهَا رَضِيَتْ بِالْبَيْعِ، وَمَعْنَى الْبُطْلَانِ فِي هَذِهِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَعْتِقُ عَنْ السَّائِلِ، وَلَكِنْ يَقَعُ عَنْ الْمُعْتِقِ وَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِوَضَ كَمَا سَيَأْتِي، وَمِنْهَا مَا إذَا بَاعَ الْمُكَاتَبُ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا‏:‏ إنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ أَوْ بَيْعٍ وَتَرْتَفِعُ الْكِتَابَةُ فَلَا يَتْبَعُهُ كَسْبُهُ وَلَا وَلَدُهُ، وَمِنْهَا إذَا جَنَى وَمِنْهَا إذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ، وَخَرَجَ بِالصَّحِيحَةِ الْفَاسِدَةُ، فَإِنَّ الْمَنْصُوصَ فِي الْأُمِّ صِحَّةُ الْبَيْعِ فِيهَا إذَا عَلِمَ الْبَائِعُ بِفَسَادِهَا لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ كَالْمُعَلَّقِ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ‏.‏ وَكَذَا إنْ جَهِلَ عَلَى الْمَذْهَبِ ‏(‏فَلَوْ‏)‏ ‏(‏بَاعَ‏)‏ السَّيِّدُ رَقَبَةَ مُكَاتَبِهِ ‏(‏فَأَدَّى‏)‏ الْمُكَاتَبُ النُّجُومَ ‏(‏إلَى الْمُشْتَرِي‏)‏ فَقَبَضَهَا ‏(‏فَفِي عِتْقِهِ الْقَوْلَانِ‏)‏ السَّابِقَانِ فِيمَا إذَا بَاعَ نُجُومَهُ أَظْهَرُهُمَا الْمَنْعُ ‏(‏وَهِبَتُهُ كَبَيْعِهِ‏)‏ فِيمَا ذَكَرَ، وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَإِنْ نَجَزَهَا فَكَبَيْعِهِ، وَإِلَّا فَتَصِحُّ إنْ عَلَّقَهَا عَلَى عَجْزِهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ مَا فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَعْتِقْ مُكَاتَبَك عَلَى كَذَا فَفَعَلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَيْسَ لَهُ‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ ‏(‏بَيْعُ مَا فِي يَدِ مُكَاتَبِهِ وَ‏)‏ لَا ‏(‏إعْتَاقُ عَبْدِهِ، وَ‏)‏ لَا ‏(‏تَزْوِيجُ أَمَتِهِ‏)‏ وَلَا التَّصَرُّفُ فِي شَيْءٍ مِمَّا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ مَعَهُ كَالْأَجْنَبِيِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَسْأَلَةُ النِّكَاحِ مُكَرَّرَةٌ سَبَقَتْ فِي النِّكَاحِ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَالَ لَهُ‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ ‏(‏رَجُلٌ‏)‏ مَثَلًا‏:‏ ‏(‏أَعْتِقْ مُكَاتَبَك عَلَى كَذَا‏)‏ كَمِائَةٍ ‏(‏فَفَعَلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ‏)‏ كَمَا لَوْ قَالَ‏:‏ أَعْتِقْ مُسْتَوْلَدَتَكَ عَلَى كَذَا، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ فِدَاءِ الْأَسِيرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ ذَلِكَ مَا إذَا قَالَ أَعْتِقْهُ وَأَطْلَقَ‏.‏ أَمَّا إذَا قَالَ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا، فَقَالَ‏:‏ أَعْتَقْتُهُ عَنْكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ عَنْ السَّائِلِ وَيَعْتِقُ عَنْ الْمُعْتِقِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

لَوْ عَلَّقَ عِتْقَ الْمُكَاتَبِ عَلَى صِفَةٍ فَوُجِدَتْ عَتَقَ‏.‏ وَيَتَضَمَّنُ الْإِبْرَاءَ عَنْ النُّجُومِ حَتَّى تَتْبَعَهُ أَكْسَابُهُ، وَلَوْ لَمْ يَتَضَمَّنْ الْإِبْرَاءَ لَكَانَ عِتْقُهُ غَيْرَ وَاقِعٍ عَنْهَا فَلَا تَتْبَعُهُ الْأَكْسَابُ‏.‏ قَالَهُ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ تَعْلِيقِهِ‏.‏ قَالَ وَالْإِبْرَاءُ لَا يَقْبَلُ التَّعْلِيقَ قَصْدًا وَيَقْبَلُهُ ضِمْنًا‏.‏

‏[‏ فَصْلٌ‏:‏ فِي لُزُومِ الْكِتَابَةِ وَجَوَازِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ فَسْخٍ أَوْ انْفِسَاخٍ وَبَيَانِ حُكْمِ تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ وَغَيْرِهَا ‏]‏

المتن‏:‏

الْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْأَدَاءِ، وَجَائِزَةٌ لِلْمُكَاتَبِ، فَلَهُ تَرْكُ الْأَدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ، فَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ فَلِلسَّيِّدِ الصَّبْرُ وَ الْفَسْخُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْحَاكِمِ، وَلِلْمُكَاتَبِ الْفَسْخُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏[‏ فَصْلٌ ‏]‏ فِي لُزُومِ الْكِتَابَةِ وَجَوَازِهَا وَمَا يَعْرِضُ لَهَا مِنْ فَسْخٍ أَوْ انْفِسَاخٍ وَبَيَانِ حُكْمِ تَصَرُّفَاتِ الْمُكَاتَبِ وَغَيْرِهَا‏.‏ ‏(‏الْكِتَابَةُ‏)‏ الصَّحِيحَةُ ‏(‏لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ‏)‏ أَيْ جَانِبِ ‏(‏السَّيِّدِ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا‏)‏؛ لِأَنَّهَا عُقِدَتْ لِحَظِّ مُكَاتَبِهِ لَا لِحَظِّهِ فَكَانَ فِيهَا كَالرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ عَلَيْهِ‏.‏ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَهِيَ جَائِزَةٌ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ ذِكْرِ اللُّزُومِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَعْجِزَ‏)‏ الْمُكَاتَبُ ‏(‏عَنْ الْأَدَاءِ‏)‏ عِنْدَ الْمَحِلِّ لِنَجْمٍ أَوْ بَعْضِهِ غَيْرِ الْوَاجِبِ فِي الْإِيتَاءِ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ قَدْ عَجَزْتُ عَنْ الْأَدَاءِ أَوْ يَقُولَ السَّيِّدُ فَسَخْتُ الْكِتَابَةَ، وَلَا حَاجَةَ فِيهِ إلَى حَاكِمٍ؛ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَرِدُ عَلَى حَصْرِهِ الِاسْتِثْنَاءَ صُورَتَانِ‏:‏ إحْدَاهُمَا‏:‏ مَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ‏:‏ إذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، فَهَلَّا كَانَ هُنَا كَذَلِكَ‏؟‏‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ عِنْدَ الْقُدْرَةِ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ‏.‏ الثَّانِيَةُ‏:‏ إذَا حَلَّ النَّجْمُ وَالْمُكَاتَبُ غَائِبٌ وَلَمْ يَبْعَثْ الْمَالَ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقَدْرِ الَّذِي يُحَطُّ عَنْهُ أَوْ يُبْذَلُ لَهُ فَإِنَّهُ لَا يُفْسَخُ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ وَلَا يَحْصُلُ التَّقَاصُّ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُؤْتِيَهُ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏ لَكِنْ يَرْفَعُ الْمُكَاتَبُ الْأَمْرَ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يُلْزِمَ السَّيِّدَ بِالْإِيتَاءِ وَالْمُكَاتَبَ بِالْأَدَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ الْكِتَابَةُ ‏(‏جَائِزَةٌ لِلْمُكَاتَبِ، فَلَهُ تَرْكُ الْأَدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ‏)‏ أَيْ مَا يَفِي بِنُجُومِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ الْحَظَّ فِيهَا لَهُ فَأَشْبَهَ الْمُرْتَهِنَ كَذَا قَالُوهُ، وَاعْتُرِضَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّ السَّيِّدِ مِنْ النُّجُومِ، بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعْتِقِ كَالْمُضْمَحِلِّ فَلَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ ‏(‏فَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ‏)‏ أَيْ قَالَ‏:‏ أَنَا عَاجِزٌ عَنْ كِتَابَتِي مَعَ تَرْكِ الْأَدَاءِ ‏(‏فَلِلسَّيِّدِ الصَّبْرُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَهُ ‏(‏الْفَسْخُ‏)‏ لِلْكِتَابَةِ عَلَى التَّرَاخِي إنْ شَاءَ ‏(‏بِنَفْسِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا لِاجْتِهَادٍ فِيهِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ الْحَاكِمُ ‏(‏وَإِنْ شَاءَ بِالْحَاكِمِ‏)‏ إنْ ثَبَتَتْ الْكِتَابَةُ عِنْدَهُ، وَحُلُولُ النُّجُومِ وَالْعَجْزُ بِإِقْرَارٍ أَوْ بِبَيِّنَةٍ، وَمَتَى فُسِخَتْ الْكِتَابَةُ فَازَ السَّيِّدُ بِمَا أَخَذَهُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا أَعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَا يَتَمَلَّكَ لُقَطَتَهُ، كَمَا مَرَّ فِي بَابِهَا، خِلَافًا لِلْبَغَوِيِّ ‏(‏وَلِلْمُكَاتَبِ‏)‏ أَيْضًا ‏(‏الْفَسْخُ‏)‏ لَهَا ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ، كَمَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَفْسَخَ الرَّهْنَ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي بَقَائِهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اسْتَمْهَلَ الْمُكَاتَبُ عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ اُسْتُحِبَّ إمْهَالُهُ، فَإِنْ أَمْهَلَ ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ فَلَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عُرُوضٌ أَمْهَلَهُ لِيَبِيعَهَا، فَإِنْ عَرَضَ كَسَادٌ فَلَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمُهْلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا أَمْهَلَهُ إلَى إحْضَارِهِ إنْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏اسْتَمْهَلَ الْمُكَاتَبُ‏)‏ سَيِّدَهُ ‏(‏عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ‏)‏ لِعَجْزٍ ‏(‏اُسْتُحِبَّ‏)‏ لَهُ ‏(‏إمْهَالُهُ‏)‏ إعَانَةً لَهُ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِتْقِ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ ‏(‏أَمْهَلَ‏)‏ السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ ‏(‏ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ‏)‏ لِسَبَبٍ مِمَّا مَرَّ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْحَالَّ لَا يَتَأَجَّلُ‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَقَدْ غَلِطَ مَنْ فَهِمَ عَنْ الْمُصَنِّفِ رُجُوعَ الضَّمِيرِ لِلْعَبْدِ ‏(‏وَإِنْ كَانَ مَعَهُ‏)‏ أَيْ الْمُكَاتَبِ ‏(‏عُرُوضٌ‏)‏ وَكَانَتْ الْكِتَابَةُ غَيْرَهَا، وَاسْتَمْهَلَ لِبَيْعِهَا ‏(‏أَمْهَلَهُ‏)‏ وُجُوبًا ‏(‏لِيَبِيعَهَا‏)‏؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ قَرِيبَةٌ، وَلَوْ لَمْ يُمْهِلْهَا لَفَاتَ مَقْصُودُ الْكِتَابَةِ ‏(‏فَإِنْ‏)‏ لَمْ يَكُنْ بَيْعُهَا فَوْرًا كَأَنْ ‏(‏عَرَضَ كَسَادٌ فَلَهُ أَنْ لَا يَزِيدَ فِي الْمُهْلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ‏)‏ لِتَضَرُّرِهِ بِذَلِكَ، وَهَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ تَبَعًا لِلْبَغَوِيِّ، وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَغَيْرُهُ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْإِمَامِ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِمْهَالِ، فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا جَوَازُ الْفَسْخِ وَصَحَّحَاهُ ‏(‏وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا‏)‏ وَاسْتَمْهَلَ لِإِحْضَارِهِ ‏(‏أَمْهَلَهُ‏)‏ السَّيِّدُ وُجُوبًا ‏(‏إلَى إحْضَارِهِ إنْ كَانَ‏)‏ غَائِبًا فِيمَا ‏(‏دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاضِرِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ كَانَ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَجِبُ الْإِمْهَالُ لِطُولِ الْمُدَّةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُمْهَلُ لِإِحْضَارِ دَيْنٍ حَالٍّ عَلَى مَلِيءٍ مُقِرٍّ أَوْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ وَإِحْضَارِ مَالٍ مُودَعٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ حَلَّ النَّجْمُ وَهُوَ غَائِبٌ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْأَدَاءُ مِنْهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏حَلَّ النَّجْمُ وَهُوَ‏)‏ أَيْ الْمُكَاتَبُ ‏(‏غَائِبٌ‏)‏ وَلَوْ بِإِذْنِ السَّيِّدِ أَوْ غَابَ بَعْدَ حُلُولِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ ‏(‏فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ‏)‏ لِلْكِتَابَةِ لِتَقْصِيرِهِ بِالْغَيْبَةِ بَعْدَ الْمَحِلِّ، وَالْإِذْنُ قَبْلَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِذْنَ لَهُ فِي اسْتِمْرَارِهَا إلَى مَا بَعْدَهُ، وَيَفْسَخُ بِنَفْسِهِ وَيُشْهِدُ، لِئَلَّا يُكَذِّبَهُ الْمُكَاتَبُ وَلَهُ الْفَسْخُ بِالْحَاكِمِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْفَسْخِ بِالْعَجْزِ لَكِنْ بَعْدَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِالْكِتَابَةِ بِحُلُولِ النَّجْمِ وَالتَّعَذُّرِ لِتَحْصِيلِ النَّجْمِ، وَحَلِفِ السَّيِّدِ أَنَّهُ مَا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ وَكِيلِهِ وَلَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ وَلَا أَنْظَرَهُ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْعِرَاقِيُّونَ، وَلَا يُعْلَمُ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ وَالتَّحْلِيفُ الْمَذْكُورُ نَقَلَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ وَأَقَرَّهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ إنَّهُ غَرِيبٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَالَ فِي الْمَطْلَبِ لَمْ أَرَ لَهُمْ تَعَرُّضًا لِحَدِّ هَذِهِ الْغَيْبَةِ، وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ، وَقَيَّدَهَا فِي الْكِفَايَةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَهُوَ قِيَاسُ تَنْزِيلِ غَيْبَتِهِ كَغَيْبَةِ الْمَالِ، وَقَالَ شَيْخُنَا‏:‏ وَالْقِيَاسُ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى ا هـ‏.‏

وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْكِفَايَةِ ‏(‏فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْأَدَاءُ‏)‏ لِلنَّجْمِ ‏(‏مِنْهُ‏)‏ وَيُمَكِّنُ الْقَاضِي السَّيِّدَ مِنْ الْفَسْخِ، وَإِنْ عَاقَ الْمُكَاتَبَ عَنْ حُضُورِهِ مَرَضٌ أَوْ خَوْفٌ فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا عَجَّزَ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا أَوْ لَمْ يُؤَدِّ الْمَالَ، وَرُبَّمَا فَسَخَ الْكِتَابَةَ فِي غَيْبَتِهِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهَذَا مَعَ الْقَوْلِ بِتَحْلِيفِهِ لَا يَجْتَمِعَانِ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ يُمَكِّنُ الْقَاضِي السَّيِّدَ‏:‏ أَيْ لَا يَعْتَرِضُهُ فَلَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّحْلِيفِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا وَفَّى أَوْ أَذِنَ فِيهِ يَحْتَاطُ كَمَا قَالُوا فِي الْحَاضِنَةِ يَكْفِي فِيهَا الْعَدَالَةُ الظَّاهِرَةُ، فَإِنْ وَقَعَ نِزَاعٌ فِي الْأَهْلِيَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ أَنْظَرَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ حُلُولِ النَّجْمِ وَسَافَرَ بِإِذْنِهِ، ثُمَّ نَدِمَ عَلَى إنْظَارِهِ لَمْ يُفْسَخْ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ غَيْرُ مُقَصِّرٍ، وَرُبَّمَا اكْتَسَبَ فِي السَّفَرِ مَا يَفِي بِالْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَلَا يَفْسَخُ سَيِّدُهُ حَتَّى يُعْلِمَهُ بِالْحَالِ‏.‏ بَلْ بِكِتَابٍ مِنْ قَاضِي بَلَدِ سَيِّدِهِ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ، فَإِنْ عَجَّزَ نَفْسَهُ كَتَبَ بِهِ قَاضِي بَلَدِهِ إلَى قَاضِي بَلَدِ السَّيِّدِ لِيَفْسَخَ إنْ شَاءَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ السَّيِّدِ قَاضٍ وَبَعَثَ السَّيِّدُ إلَى الْمُكَاتَبِ مَنْ يُعْلِمُهُ بِالْحَالِ وَيَقْبِضُ مِنْهُ النُّجُومَ فَهَلْ هُوَ كَكِتَابِ الْقَاضِي فَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ‏؟‏ فِيهِ خِلَافٌ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا الْأَوَّلُ، وَهُوَ مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَالْقَمُولِيُّ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا تَنْفَسِخُ بِجُنُونِ الْمُكَاتَبِ، وَيُؤَدِّي الْقَاضِي إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا وَلَا بِالْحَجَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا تَنْفَسِخُ‏)‏ الْكِتَابَةُ ‏(‏بِجُنُونِ الْمُكَاتَبِ‏)‏ كِتَابَةً صَحِيحَةً؛ لِأَنَّ مَا كَانَ لَازِمًا مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لَا يَنْفَسِخُ بِجُنُونِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَالرَّهْنِ، وَإِنَّمَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ كَالْوَكَالَةِ وَالْقِرَاضِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ أَرَادَ السَّيِّدُ فَسْخَهَا حَالَ جُنُونِ الْمُكَاتَبِ لَمْ يَفْسَخْ بِنَفْسِهِ بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ الْحَاكِمَ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ بِجَمِيعِ مَا مَرَّ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْفَسْخَ عَلَى الْغَائِبِ ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏يُؤَدِّي الْقَاضِي إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا‏)‏ لِيُعْتَقَ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ أَهْلًا لِلنَّظَرِ لِنَفْسِهِ فَنَابَ الْحَاكِمُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ الْغَائِبِ كَمَا مَرَّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ تَأْدِيَةِ الْقَاضِي عَنْهُ إذَا رَأَى لَهُ مَصْلَحَةً فِي الْحُرِّيَّةِ كَمَا قَالَ الْغَزَالِيُّ، فَإِنْ رَأَى أَنَّهُ يَضِيعُ بِهَا لَمْ يُؤَدِّ‏.‏ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ‏:‏ وَهَذَا حَسَنٌ، لَكِنَّهُ قَلِيلُ النَّفْعِ مَعَ قَوْلِنَا إنَّ السَّيِّدَ إذَا وَجَدَ مَالَهُ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحَاكِمَ يَمْنَعُهُ مِنْ الْأَخْذِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ أَيْ فَلَا يَسْتَقِلُّ بِالْأَخْذِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ الْقَاضِي مَالًا فَسَخَ السَّيِّدُ بِإِذْنِ الْقَاضِي وَعَادَ بِالْفَسْخِ قِنًّا لَهُ، فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ جُنُونِهِ وَظَهَرَ لَهُ مَالٌ كَأَنْ حَصَّلَهُ مِنْ قَبْلِ الْفَسْخِ دَفَعَهُ إلَى السَّيِّدِ، وَنَقَضَ التَّعْجِيزَ وَعَتَقَ‏.‏ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ‏:‏ كَذَا أَطْلَقُوهُ، وَأَحْسَنَ الْإِمَامُ إذْ خَصَّ نَقْضَ التَّعْجِيزِ بِمَا إذَا ظَهَرَ الْمَالُ بِيَدِ السَّيِّدِ وَإِلَّا فَهُوَ مَاضٍ؛ لِأَنَّهُ فَسَخَ حِينَ تَعَذُّرِ حَقِّهِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا فَحَضَرَ بَعْدَ الْفَسْخِ ا هـ‏.‏

قَالَ فِي الْخَادِمِ‏:‏ وَهَذَا مَعَ مُصَادَمَتِهِ لِإِطْلَاقِهِمْ مُصَادِمٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْ الْحَاكِمِ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَالِ ثُمَّ حُضُورِهِ، بِخِلَافِ وُجُودِهِ بِالْبَلَدِ، وَإِذَا قُلْنَا يَعْتِقُ يُطَالِبُهُ السَّيِّدُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ قَبْلَ نَقْضِ التَّعْجِيزِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَرَّعْ عَلَيْهِ بِهِ، وَإِنَّمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ عَبْدُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَقَيَّدَهُ الدَّارِمِيُّ بِمَا إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْحَاكِمِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ مُتَعَيِّنٌ، نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ مَالًا فَلَا يُطَالِبْهُ بِذَلِكَ‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَقَامَ الْمُكَاتَبُ بَعْدَ مَا أَفَاقَ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَدَّى النُّجُومَ حُكِمَ بِعِتْقِهِ وَلَا رُجُوعَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَبِسَ وَأَنْفَقَ عَلَى عِلْمٍ بِحُرِّيَّتِهِ مُتَبَرِّعًا، فَلَوْ قَالَ‏:‏ نَسِيتُ الْأَدَاءَ فَهَلْ يُقْبَلُ لِيَرْجِعَ‏؟‏ فِيهِ وَجْهَانِ، قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ‏:‏ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عَدَمُ الرُّجُوعِ أَيْضًا‏.‏ ‏(‏وَلَا‏)‏ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ ‏(‏بِالْحَجْرِ‏)‏ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِسَفَهٍ وَارْتِفَاعُ الْحَجْرِ عَنْهُ كَإِفَاقَتِهِ مِنْ الْجُنُونِ، وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ تَعْيِينَ الْقَاضِي فِي صِحَّةِ الْأَدَاءِ وَلَيْسَ مُرَادًا، فَلَوْ أَدَّاهُ الْمَجْنُونُ لَهُ أَوْ اسْتَقَلَّ هُوَ بِأَخْذِهِ عَتَقَ؛ لِأَنَّ قَبْضَ النُّجُومِ مُسْتَحَقٌّ‏.‏

المتن‏:‏

بِجُنُونِ السَّيِّدِ، وَيَدْفَعُ إلَى وَلِيِّهِ، وَلَا يَعْتِقُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَلَا تَنْفَسِخُ ‏(‏بِجُنُونِ السَّيِّدِ‏)‏ وَلَا بِمَوْتِهِ لِلُزُومِهَا مِنْ جِهَتِهِ، وَلَا بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ كَالرَّهْنِ ‏(‏وَيَدْفَعُ‏)‏ الْمُكَاتَبُ وُجُوبًا النُّجُومَ ‏(‏إلَى وَلِيِّهِ‏)‏ إذَا جُنَّ، وَإِلَى وَارِثِهِ إذَا مَاتَ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ شَرْعًا ‏(‏وَلَا يَعْتِقُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ‏)‏ أَيْ السَّيِّدِ الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ فَاسِدٌ، وَلِلْمُكَاتَبِ اسْتِرْدَادُهُ؛ لِأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْهُ لِتَقْصِيرِهِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْمُكَاتَبِ شَيْءٌ آخَرُ يُؤَدِّيهِ فَلِلْوَلِيِّ تَعْجِيزُهُ، وَلَا يَنْفَسِخُ بِإِغْمَاءِ السَّيِّدِ، وَلَا الْمُكَاتَبِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَتَلَ سَيِّدَهُ فَلِوَارِثِهِ قِصَاصٌ، فَإِنْ عَفَا عَلَى دِيَةٍ أَوْ قَتَلَ خَطَأً أَخَذَهَا مِمَّا مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ فَاقْتِصَاصُهُ وَالدِّيَةُ كَمَا سَبَقَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَتَلَ‏)‏ الْمُكَاتَبُ ‏(‏سَيِّدَهُ‏)‏ عَمْدًا ‏(‏فَلِوَارِثِهِ قِصَاصٌ‏)‏ كَجِنَايَةِ عَمْدِ غَيْرِهِ ‏(‏فَإِنْ عَفَا‏)‏ عَنْهُ ‏(‏عَلَى دِيَةٍ، أَوْ قَتَلَ‏)‏ سَيِّدَهُ ‏(‏خَطَأً أَخَذَهَا‏)‏ أَيْ الدِّيَةَ ‏(‏مِمَّا مَعَهُ‏)‏ حَصَّلَهُ قَبْلَ الْجِنَايَةِ أَوْ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ مَعَ الْمُكَاتَبِ فِي الْمُعَامَلَاتِ كَالْأَجْنَبِيِّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ فَكَذَلِكَ‏.‏ فِي الْجِنَايَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ وُجُوبُ الدِّيَةِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِثْلَ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ أَكْثَرَ، وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ وَهَلْ يَجِبُ تَمَامُ الْأَرْشِ أَوْ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِ الْجِنَايَةِ‏؟‏ فِيهِ قَوْلَانِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الرَّاجِحَ وُجُوبُ الْأَقَلِّ، وَرَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ وُجُوبَ الدِّيَةِ مُطْلَقًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْكِتَابِ، وَحَكَاهُ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ، وَقَالَ‏:‏ إنَّ الْقَوَاعِدَ تَأْبَى الْأَوَّلَ وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَجَرَى عَلَيْهِ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ مَنْهَجِهِ، وَسَيَأْتِي الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، وَمَحِلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ يَعْتِقُهُ السَّيِّدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَهَا، وَفِي يَدِهِ وَفَاءٌ وَجَبَ أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَقْطُوعِ بِهِ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَكُنْ‏)‏ فِي يَدِهِ مَالٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَفِ بِالْأَرْشِ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ وَارِثِ سَيِّدِهِ ‏(‏تَعْجِيزُهُ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ الْمَنْصُوصِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَّزَهُ وَرَقَّ سَقَطَ عَنْهُ الْأَرْشُ فَلَا يُطَالِبُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا يُعَجِّزُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَجَّزَ سَقَطَ مَالُ الْجِنَايَةِ، فَلَا فَائِدَةَ لِلتَّعْجِيزِ، وَدُفِعَ بِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ الرَّدَّ إلَى الرِّقِّ الْمَحْضِ ‏(‏أَوْ‏)‏ ‏(‏قَطَعَ‏)‏ الْمُكَاتَبُ ‏(‏طَرَفَهُ‏)‏ أَيْ سَيِّدِهِ ‏(‏فَاقْتِصَاصُهُ وَالدِّيَةُ‏)‏ لِلطَّرَفِ ‏(‏كَمَا سَبَقَ‏)‏ فِي قَتْلِهِ سَيِّدَهُ، وَقَدْ مَرَّ مَا فِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

جِنَايَتُهُ عَلَى طَرَفِ ابْنِ سَيِّدِهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ قَتَلَهُ فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ، فَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ عَمْدٍ فَكَجِنَايَتِهِ عَلَى السَّيِّدِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَتَلَ أَجْنَبِيًّا أَوْ قَطَعَهُ فَعُفِيَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَ خَطَأً أَخَذَ مِمَّا مَعَهُ وَمِمَّا سَيَكْسِبُهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَتَلَ‏)‏ الْمُكَاتَبُ ‏(‏أَجْنَبِيًّا أَوْ قَطَعَهُ‏)‏ عَمْدًا ‏(‏فَعُفِيَ‏)‏ بِضَمِّ الْعَيْنِ بِخَطِّهِ‏:‏ أَيْ عَفَا الْمُسْتَحِقُّ ‏(‏عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَ‏)‏ قَتْلُهُ لَلْأَجْنَبِيِّ ‏(‏خَطَأً‏)‏ أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ‏(‏أَخَذَ‏)‏ الْمُسْتَحَقَّ ‏(‏مِمَّا مَعَهُ‏)‏ الْآنَ ‏(‏وَمِمَّا سَيَكْسِبُهُ‏)‏ بَعْدَ ‏(‏الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَعْجِيزَ نَفْسِهِ، وَإِذَا عَجَّزَهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِسِوَى الرَّقَبَةِ‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ جِنَايَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ أَنَّ حَقَّ السَّيِّدِ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ دُونَ رَقَبَتِهِ؛ لِأَنَّهَا مِلْكُهُ، وَإِذَا كَانَتْ فِي ذِمَّتِهِ وَجَبَ جَمِيعُ الْأَرْشِ مِمَّا فِي يَدِهِ كَدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ، بِخِلَافِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي إطْلَاقِ الْأَرْشِ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ تَغْلِيبٌ فَلَا يُطَالِبُ بِأَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرَ وَلَا يَفْدِي بِهِ نَفْسَهُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَيَفْدِي نَفْسَهُ بِالْأَقَلِّ بِلَا إذْنٍ، وَقَوْلُهُ مِمَّا سَيَكْسِبُهُ لَيْسَ هُوَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ فِي جِنَايَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ ا هـ‏.‏

وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لَكِنَّهُ سَكَتَ عَنْهُ هُنَاكَ، وَصَرَّحَ بِهِ هُنَا، وَالْمُرَادُ بِمَا سَيَكْسِبُهُ مَا بَقِيَتْ كِتَابَتُهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِلْقِصَاصِ هُنَا، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْمُحَرَّرِ بِوُجُوبِهِ، وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ سَكَتَ عَنْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ مِمَّا مَرَّ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا لَوْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ، وَفِي يَدِهِ وَفَاءٌ فَالْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ لَهُ الْأَرْشُ بَالِغًا مَا بَلَغَ‏.‏ رفَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ وَسَأَلَ الْمُسْتَحِقُّ تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ الْقَاضِي وَبِيعَ بِقَدْرِ الْأَرْشِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بَقِيَتْ فِيهِ الْكِتَابَةُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ‏)‏ ‏(‏لَمْ يَكُنْ مَعَهُ‏)‏ أَيْ الْمُكَاتَبِ ‏(‏شَيْءٌ‏)‏ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَفِ بِالْوَاجِبِ ‏(‏وَسَأَلَ الْمُسْتَحِقُّ‏)‏ لِلْأَرْشِ الْقَاضِيَ ‏(‏تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ الْقَاضِي‏)‏ الْمَسْئُولُ ‏(‏وَبِيعَ‏)‏ مِنْهُ ‏(‏بِقَدْرِ الْأَرْشِ‏)‏ فَقَطْ إنْ زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْفِدَاءِ، وَإِلَّا فَكُلُّهُ‏.‏ هَذَا كَلَامُ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ كَلَامُ التَّنْبِيهِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّعْجِيزِ‏.‏ بَلْ يَتَعَيَّنُ بِالْبَيْعِ انْفِسَاخُ الْكِتَابَةِ، كَمَا أَنَّ بَيْعَ الْمَرْهُونِ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى فَكِّ الرَّهْنِ ا هـ‏.‏

وَيَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَعْجِزَ جَمِيعُهُ، ثُمَّ يَبِيعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الْأَرْشِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ وَاَلَّذِي يُفْهِمُهُ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَعْجِزُ الْبَعْضُ، وَلِهَذَا حَكَمُوا بِبَقَاءِ الْبَاقِي عَلَى كِتَابَتِهِ، وَلَوْ كَانَ يَعْجِزُ الْجَمِيعُ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ فِي جَمِيعِهِ فَيُحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ عَقْدٍ، وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ، وَيُغْتَفَرُ عَدَمُ التَّجْدِيدِ لِلضَّرُورَةِ ا هـ‏.‏

وَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ هُوَ الظَّاهِرُ، وَهَذَا إذَا كَانَ يَتَأَتَّى مِنْهُ بَيْعُ بَعْضِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَأَتَّ لِعَدَمِ رَاغِبٍ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ فَالْقِيَاسُ بَيْعُ الْجَمِيعِ لِلضَّرُورَةِ وَمَا فَضَلَ يَأْخُذُهُ السَّيِّدُ، وَبِهِ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى الرَّقِيقِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِنِّ ‏(‏فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بَقِيَتْ فِيهِ الْكِتَابَةُ‏)‏ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحُقُوقِ، فَإِنْ أَدَّى حِصَّتَهُ مِنْ النُّجُومِ عَتَقَ ذَلِكَ الْقَدْرُ، وَهَلْ يَسْرِي بَاقِيهِ عَلَى سَيِّدِهِ الْمُشْتَرِي إذَا كَانَ مُوسِرًا‏؟‏‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ فِيهِ وَجْهَانِ‏.‏ قَالَ وَفِي الْبَحْرِ لَا يَسْرِي قَوْلًا وَاحِدًا ا هـ وَمَا فِي الْبَحْرِ هُوَ الظَّاهِرُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلِلسَّيِّدِ فِدَاؤُهُ وَإِبْقَاؤُهُ مُكَاتَبًا، وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ أَوْ أَبْرَأَهُ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْفِدَاءُ، وَلَوْ قَتَلَ الْمُكَاتَبُ بَطَلَتْ وَمَاتَ رَقِيقًا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلِلسَّيِّدِ فِدَاؤُهُ‏)‏ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ ‏(‏وَإِبْقَاؤُهُ‏)‏ عَلَى حَالِهِ ‏(‏مُكَاتَبًا‏)‏ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ حُقُوقِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى الْمُسْتَحِقِّ قَبُولُ الْفِدَاءِ ‏(‏وَلَوْ أَعْتَقَهُ‏)‏ السَّيِّدُ ‏(‏بَعْدَ الْجِنَايَةِ‏)‏ وَنَفَّذْنَاهُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ ‏(‏أَوْ أَبْرَأَهُ‏)‏ بَعْدَهَا مِنْ النُّجُومِ ‏(‏عَتَقَ وَلَزِمَهُ‏)‏ أَيْ السَّيِّدَ ‏(‏الْفِدَاءُ‏)‏ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الرَّقَبَةَ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ عَتَقَ بِأَدَاءِ النُّجُومِ بَعْدَهَا فَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ فِدَاؤُهُ، وَلَوْ جَنَى جِنَايَاتٍ وَعَتَقَ بِالْأَدَاءِ فَدَى نَفْسَهُ، أَوْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ تَبَرُّعًا لَزِمَهُ فِدَاؤُهُ ‏(‏وَلَوْ‏)‏ ‏(‏قَتَلَ الْمُكَاتَبُ‏)‏ بَعْدَ اخْتِيَارِ سَيِّدِهِ الْفِدَاءَ لَزِمَ السَّيِّدَ فِدَاؤُهُ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَ ‏(‏بَطَلَتْ‏)‏ كِتَابَتُهُ فِي الْحَالَيْنِ ‏(‏وَمَاتَ رَقِيقًا‏)‏ لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا، وَفَائِدَةُ الْحُكْمِ بِرِقِّهِ أَنَّ لِلسَّيِّدِ مَا يَتْرُكُهُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ لَا الْإِرْثِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ تَجْهِيزُهُ، وَسَوَاءٌ خَلَفَ وَفَاءً بِالنُّجُومِ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاقِي قَلِيلًا أَمْ كَثِيرًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلِسَيِّدِهِ قِصَاصٌ عَلَى قَاتِلِهِ الْمُكَافِئِ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلِسَيِّدِهِ قِصَاصٌ عَلَى قَاتِلِهِ‏)‏ الْمُتَعَمِّدِ ‏(‏الْمُكَافِئِ‏)‏ لَهُ لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مُكَافِئًا أَوْ كَانَ الْقَتْلُ غَيْرَ عَمْدٍ ‏(‏فَالْقِيمَةُ‏)‏ هِيَ الْوَاجِبَةُ لَهُ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ عَلَى عَبْدِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ مَا ذَكَرَ إذَا قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ، وَإِنْ قَتَلَهُ سَيِّدُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةَ‏.‏ قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ‏:‏ هَذَا إذَا قَتَلَهُ، فَإِنْ قَطَعَ طَرَفَهُ ضَمِنَهُ‏.‏ قَالَ الْجُرْجَانِيِّ‏:‏ وَلَيْسَ لَنَا مَنْ لَا يَضْمَنُ شَخْصًا وَيَضْمَنُ طَرَفَهُ غَيْرُهُ، وَالْفَرْقُ بُطْلَانُ الْكِتَابَةِ بِمَوْتِهِ، وَبَقَاؤُهَا مَعَ قَطْعِ طَرَفِهِ وَالْأَرْشُ مِنْ أَكْسَابِهِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ أَبَاهُ بِوَصِيَّةٍ، ثُمَّ جَنَى عَلَى أَبِيهِ فَقَطَعَ طَرَفَهُ فَإِنَّهُ يُقْتَصُّ مِنْ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْأَبِ كَحُكْمِ الْأَجْنَبِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ وَجُعِلَتْ حُرِّيَّتُهُ مَوْقُوفَةً عَلَى حُرِّيَّتِهِ‏.‏ قَالَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ‏:‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَلَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ مَسْأَلَةٌ يُقْتَصُّ فِيهَا مِنْ الْمَالِكِ لِلْمَمْلُوكِ إلَّا هَذِهِ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ هَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الْأُمِّ ثُمَّ قَالَ‏:‏ فَأَوْجَبَ الْقِصَاصَ عَلَى الْمُكَاتَبِ بِقَتْلِ مَمْلُوكِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ مِلْكَهُ شُبْهَةً وَهُوَ غَرِيبٌ ا هـ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ لِشُبْهَةِ الْمِلْكِ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَسْتَقِلُّ بِكُلِّ تَصَرُّفٍ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ وَلَا خَطَرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَصِحُّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَسْتَقِلُّ‏)‏ الْمُكَاتَبُ ‏(‏بِكُلِّ تَصَرُّفٍ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ‏)‏ عَلَى غَيْرِ السَّيِّدِ ‏(‏وَلَا خَطَرَ‏)‏ بِفَتْحِ الطَّاءِ بِحَظِّهِ كَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِجَارَةٍ بِعِوَضِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَحْصِيلًا لِلْغَرَضِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَهُوَ الْعِتْقُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ كَانَ فِيهِ تَبَرُّعٌ كَصَدَقَةٍ أَوْ إبْرَاءٍ أَوْ فِيهِ خَطَرٌ كَقَرْضٍ وَبَيْعٍ نَسِيئَةً ‏(‏فَلَا‏)‏ يَسْتَقِلُّ بِهِ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الرِّقِّ جَارِيَةٌ عَلَيْهِ، وَلَا فَرْقَ فِي مَنْعِ بَيْعِهِ نَسِيئَةً بَيْنَ أَنْ يَسْتَوْثِقَ بِرَهْنٍ أَوْ كَفِيلٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْكَفِيلَ قَدْ يُفْلِسُ وَالرَّهْنَ قَدْ يَتْلَفُ وَيَحْكُمُ الْقَاضِي الْمَرْفُوعُ إلَيْهِ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ‏.‏ هَذَا مَا ذَكَرَاهُ هُنَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ صَحَّحَا فِي كِتَابِ الرَّهْنِ‏.‏ الْجَوَازَ بِالرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ‏.‏ مَا إذَا تَبَرَّعَ عَلَى سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ كَمَا يَأْتِي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اُسْتُثْنِيَ مِنْ التَّبَرُّعِ مَا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ نَحْوِ لَحْمٍ وَخُبْزٍ مِمَّا الْعَادَةُ فِيهِ أَكْلُهُ وَعَدَمُ بَيْعِهِ لَهُ أَوْ إهْدَائِهِ لِغَيْرِهِ عَلَى النَّصِّ فِي الْأُمِّ، وَمِمَّا فِيهِ خَطَرٌ مَا الْغَالِبُ فِيهِ السَّلَامَةُ وَيُفْعَلُ لِلْمَصْلَحَةِ كَتَوْدِيجِ الْبَهَائِمِ، وَقَطْعِ السِّلَعِ مِنْهَا، وَالْفَصْدِ، وَالْحِجَامَةِ، وَخَتْنِ الرَّقِيقِ، وَقَطْعِ سِلَعِهِمْ الَّتِي فِي قَطْعِهَا خَطَرٌ، لَكِنْ فِي بَقَائِهَا أَكْثَرُ، وَلَهُ اقْتِرَاضٌ، وَأَخْذُ قِرَاضٍ، وَهِبَةٌ بِثَوَابٍ مَعْلُومٍ وَبَيْعُ مَا يُسَاوِي مِائَةً بِمِائَةٍ نَقْدًا وَعَشْرَةٍ نَسِيئَةً، وَشِرَاءُ النَّسِيئَةِ بِثَمَنِ النَّقْدِ، وَلَا يَرْهَنُ بِهِ، وَلَا يُسْلِمُ الْعِوَضَ قَبْلَ الْمُعَوَّضِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَا يَقْبَلُ هِبَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إلَّا كَسُوبًا كِفَايَتُهُ فَيُسَنُّ قَبُولٌ ثُمَّ يُكَاتَبُ عَلَيْهِ وَنَفَقَتُهُ فِي كَسْبِهِ وَالْفَاضِلُ لِلْمُكَاتَبِ، فَإِنْ مَرِضَ قَرِيبُهُ أَوْ عَجَزَ لَزِمَ الْمُكَاتَبَ نَفَقَتُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَلَاحِ مِلْكِهِ، وَإِنْ جَنَى بِيعَ فِيهَا وَلَا يَفْدِيهِ بِخِلَافِ عَبْدِهِ ‏(‏وَيَصِحُّ‏)‏ مِمَّا مَنَعْنَاهُ مِنْهُ مِمَّا تَقَدَّمَ وَغَيْرِهِ ‏(‏بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ إنَّمَا كَانَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ كَالْمُرْتَهِنِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ غَرَضَ الْعِتْقِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ بِأَدَاءِ دَيْنٍ لِلسَّيِّدِ عَلَى مُكَاتَبٍ آخَرَ وَقَبِلَهُ مِنْهُ السَّيِّدُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اُسْتُثْنِيَ مِنْ إطْلَاقِهِ الصِّحَّةُ الْعِتْقُ وَالْكِتَابَةُ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ صَحَّ، فَإِنْ عَجَزَ وَصَارَ لِسَيِّدِهِ عَتَقَ، أَوْ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا إذْنٍ، وَبِإِذْنٍ فِيهِ الْقَوْلَانِ، فَإِنْ صَحَّ فَمُكَاتَبٍ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَ كِتَابَتُهُ بِإِذْنٍ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ اشْتَرَى‏)‏ الْمُكَاتَبُ ‏(‏مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ‏)‏ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ ‏(‏صَحَّ‏)‏ وَكَانَ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْمُكَاتَبِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْعَبِيدِ، وَلَا يَعْتِقُ عَلَى السَّيِّدِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ لِلِاسْتِرْبَاحِ ‏(‏فَإِنْ عَجَزَ‏)‏ الْمُكَاتَبُ وَرَقَّ ‏(‏وَصَارَ‏)‏ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ أَصْلِ سَيِّدِهِ أَوْ فَرْعِهِ ‏(‏لِسَيِّدِهِ عَتَقَ‏)‏ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا إذَا اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ كُلُّهُ، فَإِذَا اشْتَرَى بَعْضَهُ ثُمَّ عَجَّزَ نَفْسَهُ أَوْ عَجَّزَهُ سَيِّدُهُ عَتَقَ ذَلِكَ الْبَعْضُ وَلَا يَسْرِي كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِي الْعِتْقِ ‏(‏أَوْ‏)‏ اشْتَرَى الْمُكَاتَبُ مَنْ يَعْتِقُ ‏(‏عَلَيْهِ‏)‏ لَوْ كَانَ حُرًّا مِنْ أَصْلِهِ أَوْ فَرْعِهِ ‏(‏لَمْ يَصِحَّ بِلَا إذْنٍ‏)‏ مِنْ سَيِّدِهِ لِتَضَمُّنِهِ الْعِتْقَ وَإِلْزَامِهِ النَّفَقَةَ ‏(‏وَبِإِذْنٍ فِيهِ الْقَوْلَانِ‏)‏ السَّابِقَانِ فِي تَبَرُّعِهِ بِالْإِذْنِ أَظْهَرُهُمَا الصِّحَّةُ ‏(‏فَإِنْ صَحَّ‏)‏ شِرَاءُ الْمُكَاتَبِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ‏(‏فَكَاتَبَ عَلَيْهِ‏)‏ فَيَرِقُّ بِرِقِّهِ وَيَعْتِقُ بِعِتْقِهِ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهُ ‏(‏وَلَا يَصِحُّ‏)‏ ‏(‏إعْتَاقُهُ‏)‏ عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ عَنْ كَفَّارَةٍ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏كِتَابَتُهُ بِإِذْنٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِتَضَمُّنِهِمَا الْوَلَاءَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ يَصِحُّ عَمَلًا بِالْإِذْنِ وَيُوقَفُ الْوَلَاءُ‏.‏ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ‏.‏ أَمَّا إعْتَاقُهُ عَنْ سَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ فَيَصِحُّ بِالْإِذْنِ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

وَلَا يَصِحُّ إبْرَاؤُهُ عَنْ الدُّيُونِ وَلَا هِبَتُهُ مَجَّانًا وَلَا يُشْتَرَطُ الثَّوَابُ، وَلِأَنَّ فِي قَدْرِهِ اخْتِلَافًا عَلَى الْقَوْلِ بِهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَلِأَنَّ الثَّوَابَ إنَّمَا يَسْتَقِرُّ بَعْدَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ، وَفِيهِ خَطَرٌ، وَوَصِيَّتُهُ سَوَاءٌ أَوْصَى بِعَيْنٍ أَوْ بِثُلُثِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ غَيْرُ تَامٍّ‏.‏